استخدامه؛ فحاكى به أشكال الأشياء وحجومها وصفاتها, وما إلى ذلك، فازدادت أهميته في الحديث، وسد فراغًَا كبيرًا في اللغة الصوتية، ثم أخذت هذه اللغة يتسع نطاقها تبعًا لارتقاء التفكير, واتساع حاجات الإنسان ومظاهر حضارته، وتستغني شيئًا فشيئًا عن مساعدة الإشارات, وتبعد عن أصولها تأثير عوامل كثيرة؛ كالتطورات الطبيعية التي تعتور الصوت وأعضاء النطق الإنساني, وكعلاقات المجاورة والمشابهة التي تعتور الدلالات ... وما إلى ذلك من الأمور التي سنعرض لها بتفصيل في الباب الثاني من هذا الكتاب.
وهذه النظرية هي أدنى نظريات هذا البحث إلى الصحة، وأقربها إلى المعقول، وأكثرها اتفاقًا مع طبيعة الأمور وسنن النشوء والارتقاء الخاضعة لها الكائنات وظواهر الطبيعة الاجتماعية, وهي إلى هذا وذاك تفسر المشكلة التي نحن بصددها, وهي الأسلوب الذي سار عليه الإنسان في مبدأ الأمر في وضع أصوات معينة لمسميات خاصة, والعوامل التي وجهته إلى هذا الأسلوب دون غيره, ولم يقم أيّ دليل يقيني على خطئها, ولكن لم يقم كذلك أيَّ دليل يقيني على صحتها, وكل ما يذكر لتأييدها لا يقطع بصحتها, وإنما يقرب تصورها ويرجح الأخذ بها.
ومن أهم أدلتها أن المراحل التي تقررها بصدد اللغة الإنسانية تتفق في كثير من وجوهها مع مراحل الارتقاء اللغوي عند الطفل؛ فقد ثبت أن الطفل في المرحلة السابقة لمرحلة الكلام، يلجأ في تعبيره الإرادي إلى محاكاة الأصوات الطبيعية "أصوات التعبير الطبيعي عن الانفعالات، أصوات الحيوان، أصوات مظاهر الطبيعة والأشياء.." فيحاكي الصوت قاصدًا التعبير عن مصدره, أو عن أمر يتصل به, وثبت كذلك أنه في هذه المرحلة وفي مبدأ مرحلة الكلام يعتمد اعتمادًا جوهريًّا في توضيح تعبيره الصوتي على الإشارات اليدوية والجسمية, ومن المقرر أن المراحل التي يختارها الطفل في مظهر ما من مظاهر حياته تمثل المراحل التي