وتعتمد هذه الأصوات على استعداد فطريٍّ عند الطفل، وهو غريزة المحاكاة. مع ذلك، تصدر بشكل إرادي، ويرمي الطفل من ورائها إلى غايات معينة؛ فهو يرمي أحيانًا، إلى مجرد التلذذ بالمحاكاة، أو إثبات قدرته على التقليد، وأحيانًا إلى التعبير عن أمور تتصل بالشيء أو الحيوان الذي يحاكي صوته؛ كأن يحاكي صوت الكلب للتعبير عن رغبته في رؤيته أو عن قدومه ... وما إلى ذلك, وهو يحاكي أحيانًا هذه الأصوات المبهمة في صورتها الطبيعية، وأحيانًا يحاكيها بوضعها في أصوات ذات مقاطع، فيعبر عن صوت الدجاجة مثلًا بكلمة "كاك", وعن صوت الكلب بكلمة "هَوْ" ... وهلم جرا.
٦- الأصوات المركبة ذات المقاطع والدلالات الوضعية التي تتألف منها الكلمات وتتكون منها اللغة:
وهذا النوع من الأصوات يأخذه الطفل عن المحيطين به بطريق التقليد، ويندفع إليه تحت تأثير ميله الفطريّ إلى المحاكاة, ولكنه مع ذلك، إرادي في تكونه وفي استخدامه, أما فيما يتعلق بتكونه، فهو لا يصدر من الطفل بشكل آلي كما تصدر أصواته الوجدانية مثلًا، بل يبذل في إصداره وإصلاح خطئه وتكملة نقصه وجعله مطابقًا للصوت الذي يحاكيه مجهودًا إراديًّا، ويشرف على جميع هذه الأمور إشرافًا مقصودًا، وأما فيما يتعلق باستخدامه، فإن الطفل يلفظه مريدًا به التعبير عن المعاني والحقائق التي يدل عليها, وذلك أن هذه الطائفة من الأصوات لا تنتقل إلى الطفل مجردة، بل تنتقل إليه حاملة معها معانيها, فهو يدرك ما تدل عليه من سياق أعمال المتكلمين بها، ومن الحركات اليدوية والجسمية التي تصحبها، ومن الإشارة الحسية إلى مدلولاتها ... وهلم جرا. فيحاكيها متصورًا معانيها تصورًا كاملًا أو ناقصًا تبعًا لمبلغ الدقة في ملاحظته, وكلما اكتسب لفظًا منها عن هذا الطريق, احتفظ به إلى حين الحاجة إليه، فيلفظه كلما أراد التعبير عن مدلوله١.
١ هناك نظريات أخرى كثيرة في الأساس القائم عليه هذا النوع من الأصوات, وسنعرض لها في الفقرة السادسة من هذا الفصل.