ويظهر أن الغرض الذي ترمي إليه الطبيعة من دفع الطفل إلى هذا النوع من الألعاب هو تدريب أعضاء نطقه على القيام بوظائفها العامة, وإعداده إعدادًا تامًّا للمرحلة التالية، وهي المرحلة التي يأخذ فيها اللغة عن طريق محاكاته لما يسمعه من المحيطين به١.
غير أنه يظهر كذلك أن بعض الأصوات التي يلفظها الطفل في أواخر هذه المرحلة, والتي تبدو من نوع "التمرينات النطقية", هي في الحقيقة أصوات تقليدية يحاول بها الطفل أن يحاكي ما يسمعه من كلمات؛ فيلفظها لفظًا خاطئًا بعيدًا كل البعد عن الأصل، أو يحاول بها محاكاة النبرات العامة التي تتالف منها الصورة الموسيقية لبعض ما يسمعه من عبارات, ولا أدلَّ على ذلك مما لاحظه الأستاذ جرامون Gramont الفرنسي؛ فقد اختار لابنه مربية إيطالية, ظلت ملازمةً له حتى قبيل انتهاء هذه المرحلة، وبعد شهر تقريبًا من انقطاعها عنه، دخل الطفل في مرحلة التقليد اللغوي، فلاحظ والده حينئذ أنه يلفظ الكلمات الفرنسية بلكنة إيطالية، وأن هذه العادة لم يتخلص منها إلّا بعد أمد طويل, وهذا يدل على أن بعض الأصوات التي كان يلفظها في مرحلة "التمرينات النطقية"؛ إذ كانت مربيته الإيطالية تناغيه بلهجتها، كان يحاول بها تقليد النبرات العامة لحديثها, وأن هذه المحاولات قد مكَّنت أسلوب الصوت الإيطالي من لسانه، وظهرت آثار ذلك في حديثه فيمابعد.
١ انظر تفصيل هذا بكتابنا "عوامل التربية" صفحات ١٨٥-١٨٧, والغرض الذي أشرنا إليه وهو الإعداد للحياة المستقبلة ليس مقصورًا على الألعاب اللفظية, بل مشتركًا في جميع الألعاب الإنسانية. "انظر المرجع السابق صفحات ١٢٩-١٣٢، ١٤٩-١٥٠".