للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصين، أو اليابان، أو في رطانات زنوج أفريقيا، أو في لهجات السكان الأصليين لأمريكا وأستراليا, ومن لم يظهر فساد ما ذهب إليه فونت وبرييرومور Wundt Preyer Moor؛ إذ زعموا أن أصوات هذه المرحلة تختلف باختلاف الشعوب، وأن أطفال كل أمة لا يلفظون في أثنائها إلّا الأصوات الخاصة بلغة بلادهم، أي: التي يستخدمونها في المرحلة التالية، فكأنهم بذلك يدربون أعضاء نطقهم على ما ستواجهه في المستقبل من مشكلات لغوية خاصة بأمتهم.

ويلاحظ أن الطفل في هذه المرحلة يولع بتكرار الصوت الذي يلفظه من هذا النوع عدة مرات: با بابا -تا تا تا أتيتا..إلخ. ويرجع هذا إلى أسباب كثيرة؛ منها: أن النشاط الحركي يتجه دائمًا إلى الأشكال المتماثلة والأوضاع المتشابهة, ومنها: أن وقف الحركة فجأة يتطلب مجهودًا أكبر من المجهود الذي يتطلبه استمرارها، فالطفل بتكراره هذا يميل أكبر بفطرته إلى أخف المجهودين "وإلى هذا يرجع السبب في حدوث هذه الظاهرة نفسها عند الكبار أحيانًا, وخاصة حينما يسرعون في كلامهم", ومنها: أن الطفل عندما يلفظ صوتًا ما يحدث لديه هذا الصوت إحساسًا سمعيًّا يرتاح إليه ويتلذذ بوقعه، فيكرر الصوت ليتكرر إحساسه هذا، كما أن إحساسه صوت طبلة دقها بيده أو صوت هنة رماها يدعوه إلى تكرار الدق والرمي ليتكرر الصوت نفسه. وهذا مظهر من المظاهر التي أطلق عليها العلامة بلدوين "تقليد الطفل لنفسه" أو "التفاعل الدائري عند الطفل", وتبقى هذه العادة عند الطفل في أوائل المرحلة التالية كما سنذكر ذلك في موطنه١.

ولا يرمي الطفل من وراء هذه الأصوات إلى محاكاة أو تعبير، وإنما تدفعه إليها غرائزه دفعًا كما تدفعه إلى سائر ألعابه, ويجد لذة كبيرة في مجرد لفظها, كما يجد لذة في القيام بألعابه الأخرى.


١ انظر المرحلة الثالثة في الفقرة الثالثة من هذا الفصل.

<<  <   >  >>