أخذها جميعها عن طريق المحاكاة بدون أن يشعر أنه يتعلم، ووصل في إجادة كلٍّ منها إلى الدرجة نفسها التي يبلغها في لغته الأصلية، فينشأ متعدد اللغات Poyglotte, ومن أجل هذا تختار بعض الأسرات الموسرة لأولادها في هذا الدور مربيات مختلفات اللغات, حتى تنتقل إليهم بالمحاكاة جميع لغاتهن.
ومن الطريف أن الطفل الذي تنتقل إليه عدة لغات عن هذا الطريق يتجه من تلقاء نفسه إلى محادثة كل شخص من المختلفين به باللغة التي أخذها عنه, أو التي يعرف أنها لغته, بدون أن يشعر أنه يتكلم عدة لغات. فقد روى الأستاذ جويوم أن طفلًا أبوه ألمانيّ, وأمه فرنسية, قد أخذ الألمانية عن أبيه, والفرنسية عن أمه، وكان إذا طلب إليه أبوه بالألمانية تبليغ أمر لأمه بلغها ذلك بالفرنسية بدون أن يشعر أنه يترجم إلى لغة أخرى الكلام الذي كلفه أبوه تبليغه.
وفي هذا يختلف الكبار عن الصغار اختلافًا كبيرًا, فمهما بذل الكبار في تعلم لغة أجنبية من جهود, ومهما طالت مدة إقامتهم بين أهلها, فلن يصلوا في إجادتها من الناحية الصوتية إلى الدرجة التي يصل إليها الصغار في هذا الدور, والسبب في هذا راجع إلى أن الطفل يلبي في محاكاته داعي غريزته، ويسلك بهذا الصدد طريقًا محببًا إليه، ويسير على أسلوب يتفق مع ألعابه، فيسهل عليه بذل المجهود, ويؤتي مجهوده أكله. على حين أن الكبير يتعلم اللغة الأجنبية لغاية خارجة عنها, فيصعب عليه بذل المجهود في هذا السبيل. هذا إلى أن الكبار قد رسخت لديهم عادات كلامية خاصة, وتشكلت أعضاء نطقهم بالشكل الذي يلائمها، فيصبح من الصعب عليهم مع هذا اكتساب عادات صوتية جديدة مخالفة لعاداتهم الأولى, وليس الأمر كذلك عند الطفل، فأعضاء نطقه في هذا الدور تكون مرنة قابلة للتشكيل بمختلف الأشكال.
وهذا مظهر من مظاهر ما يسميه علماء النفس: "مقاومة القديم