للجديد", أو "آثار العادات اللغوية" التي سبق أن أشرنا إليها١، والتي تظهر آثارها حتى عند الطيور, فقد لاحظ "لودانتك" أن صغار الطيور المغنية إذا نشأت مع فصيلة أخرى غير فصيلتها, قلدتها في غنائها، وأنها إذا بقيت مع هذه الفصيلة حتى كبرت ورسخت عندها هذه العادة الغنائية صعب عليها بعدئذ تقليد صوت فصيلتها نفسه.
ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في هذه المرحلة، تسري إليه في أمد قصير لهجة المقاطعة التي ينتقل إليها أهله؛ فقد ذكر الأستاذ "شافر Schaffer" أنه قضى شهرين من إجازته الصيفية بفرنكونيا، فلاحظ أن ابنه الذي كان يبلغ حينئذ سنتين وثلاثة أشهر، قد سرت إليه لهجة هذه البلدة، ينطق الكلمات الألمانية وفق لهجتهم في نطقها، وأن هذا الأسلوب قد لازمه بضعة أشهر بعد رجوعه إلى بلده, وذكر الأستاذ "جويوم" أنه قضى مرة إجازته بشرقي فرنسا، فلاحظ أن أولاده، الذين كانوا يزيدون في سنهم عن ابن شافر، ينطقون حرف الراء الفرنسي R, كما ينطق به أهل هذه المقاطعة, وكما ينطق بالراء في اللغة العربية "وهذا يخالف طريقة النطق في منطقة باريس ما إليها، فأهل هذه المنطقة يلفظونه بين الراء والغين", وقد قضيت أنا مرة إجازتي مع أسرة باريسية بقرية من قرى فرنسا تسمى: سان كورنتان Saint Corintin, متاخمة لمقاطعة نورمانديا، فأدهشني كثيرًا أن طفلة صغيرة من هذه الأسرة، كانت حينئذ في الخامسة من عمرها، قد سرت إليها، بعد بضعة أسابيع من إقامتنا، لهجة هذه القرية، مع أن اختلاطنا بأهلها كان قليلًا, فأصبح أسلوب حديثها وتركيبها للجمل, ونطقها بالكلمات مطابقًا لأسلوب حديثهم وتركيبهم ونطقهم, وظهر هذا لديها حتى في مخارج الأصوات نفسها, وطريقة النطق ببعض حروف المد, فقد استحال مثلًا صوت المد الفرنسي oi "وا" في لسانها إلى صوت واو ممدودة بالألف الممالة Wai, كما كان شأنه في لسان