للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل هذه القرية, "فكلمة Poire مثلًا كانت تنطقها Pwair، وكذلك كل الكلمات المشتملة على صوت oi", وعبثًا حاولنا إصلاح ما أصاب نطقها من لحن وتحريف، فإنها لما شعرت بامتعاضنا من طريقتها وسخريتنا بها, كانت تجتهد في أثناء كلامها معنا أن تكون باريسية اللهجة، فإذا خلت إلى أطفال هذه القرية أو كبارهم عادت إلى طريقتها, وبقيت آثار هذه اللهجة في حديثها بضعة أسابيع بعد عودتنا إلى باريس.

٨- ولا يقتصر نشاط الطفل التقليدي في هذه المرحلة على الأصوات اللغوية، بل يمتد كذلك إلى ما عداها من الأصوات؛ كأصوات الحيوان والطيور, ومظاهر الطبيعة, والأصوات الشاذة, وأصوات المصابين بعاهات في النطق, والأصوات التي تحدثها الأفعال؛ كأصوات الضرب والقرع والسقوط, وما إلى ذلك. وهم في هذه الناحية كذلك أمهر كثيرًا من الكبار, فقد لاحظ العلّامة تين Tain, أن الأطفال في هذه المرحلة أدق وأمهر من الكبار في محاكاة أصوات الحيوان في صورتها الطبيعية, وذكر العلامة جوتمان أنه كان يتدرب على "فن التكلم الجوفي Ventrilloquie", "وهو معالجة النطق في صورة تشعر السامع أن الكلام صادر من بطن المتكلم, أو من شخص آخر غيره, وقد مهر فيه كثير من المشعوذين الذين يحاولون إيهام الناس أن الجن تلابسهم وتنطق من جوفهم" فأدهشه أن ابنه الصغير، الذي لم يتجاوز حينئذ الثانية من عمره، قد سبقه كثيرًا في هذا المضمار لمجرد سماعه لمحاولات أبيه.

هذا، ويبدو أن اتجاه الطفل لمحاكاة أصوات الحيوان ومظاهر الطبيعة والأصوات التي تحدثها الأفعال, يظهر قبل اتجاهه إلى محاكاة الكلمات, فقد كان في استطاعة ابنتي عفاف في الشهر الثالث من سنتها الثانية "٩/ ٤/ ٤٥" أن تحاكي صوت طائفة كبيرة من الحيوان، مع أنها حينئذ لم تكن لتستطيع النطق إلّا بكلمة واحدة وهي "بابا". وقد كان في استطاعة ابني إقدام في الشهر الثاني من سنته الثانية أن

<<  <   >  >>