للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- الحافظة والذاكرة السمعيتان, ونعني بذلك القدرة على حفظ الأصوات المسموعة, وعلى تذكرها واستعادتها عند الحاجة إليها.

ولا تبدو هذه القدرة عند الطفل إلّا بعد بضعة أسابيع بعد ولادته١، وتظل ضعيفة حتى أواخر الشهر الرابع، ثم ترتقي ارتقاءً بطيئًا حتى أوائل السنة الثانية، وحينئذ تبدأ مرحلة نضجها.

فهذا العامل يقطع في طريق نموه المراحل نفسها التي يقطعها العامل الأول، وتصحبهما في سيرهما ظاهرة التقليد اللغوي؛ تظهر بظهورهما، وتنمو بنموهما.

أما وجه توقف التقليد اللغوي على هذه الظاهرة فلا يقل وضوحًا عن توقفه على الظاهرة الأولى، وذلك أن الكلمة التي يحاكيها الطفل لا تصبح جزءًا من لغته إلّا إذا استطاع حفظها واستعادتها عند الحاجة إلى التعبير عما تدل عليه.

٣- فهم الطفل لمعاني الكلمات, على الرغم من أن فهم الطفل لمعاني الكلمات يسبق قدرته على النطق بها -كما سبقت الإشارة إلى ذلك- فإن هذا الفهم شرط ضروري للتقليد اللغوي, وعامل أساسي من عوامل نموه, وقد عرضنا في الفقرة السابقة لأمور كثيرة تدل على توقف التقليد اللغوي على هذا العامل، وتثبت أن كل ارتقاء في تفكير الطفل ودرجة فهمه يتبعه ارتقاء في تقليده ونمو في محصوله اللغوي، وتبين وجوه العلاقة بين الأمرين٢, ولا أدل على هذا التوقف وهذا التلازم من أن الطفل الذي يولد مصابًا بجنون يحول بينه وبين فهم معاني الكلمات ينشأ أبكم, ولو كانت أعضاء سمعه ونطقه سليمة.

فالعوامل الثلاثة السابقة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطًا وثيقًا،


١ تظهر متأخرة عن موعد ظهور "الذاكرة البصرية" "ذكر الأشياء المنظورة".
٢ انظر مميزات الدلالة في هذا الدور بصفحات ١٤٣-١٥٠, وخاصة من آخر ص ١٤٧ إلى ١٤٩.

<<  <   >  >>