للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك أنهم يرون أن هناك رابطة طبيعية تربط أعضاء السمع عند الطفل في هذه المرحلة بأعضاء نطقه في صورة تجعل الأعضاء الأخيرة تلفظ بشكل منعكس الأصوات نفسها التي تحسها الأعضاء الأولى؛ فالطفل يردد ما يسمعه بعملية آلية لا دخل فيها لإرادة ولا قصد ولا تفكير, وبحركات تنبعث من تلقاء نفسها عند حدوث ما يثيرها كما تنبعث الأعمال المنعكسة.

وقد أوغل لودانتك في هذا السبيل, حتى زعم أن أعضاء النطق وأعضاء السمع يؤلفان عند الطفل في هذه المرحلة جهازًا واحدًا ترسل ناحية منه ما تستقبله الناحية الأخرى؛ فهما أشبه شيء بجهاز المذياع -الراديو- الذي ينبعث من بعض أجزائه ما تلتقطه أجزاؤه الأخرى من أصوات, وطبيعة تركيبهما عند الطفل في هذه المرحلة مطابقة كل المطابقة -كما يقول لودانتك نفسه- لطبيعة تركيبهما عند الببغاء, وما إليها من الطيور١.

ومن ثَمَّ يرى لودانتك أن أصوات التقليد اللغوي عند الطفل لا تختلف في أساسها عن أصوات "التعبير الطبيعي عن الأطفال" التي تكلمنا عليها في أول هذا الباب٢؛ كلاهما في نظره فطريّ آليّ بحت, لا دخل فيه لإرادة ولا قصد ولا تفكير، وكلاهما ينبعث عن مثير خاصٍّ, وعن مجرد وجود هذا المثير. فأصوات التعبير الطبيعي عن الانفعال يثيرها مجرد تلبس الجسم أو النفس بحالة انفعالية ما، وأصوات التقليد اللغوي يثيرها مجرد التلبس بإدراكٍ سمعيٍّ خاصٍّ, وكلاهما قائم على روابط طبيعية فطرية؛ فأولهما قائم على روابط طبيعية تربط أعضاء النطق بحالات الانفعال في صورةٍ تجعل تلك الأعضاء تتحرك من تلقاء نفسها, وتلفظ أصواتًا خاصة كلما وجدت حالة من هذه


١ انظر الأساس الذي تعتمد عليه المحاكاة عند هذه الفصيلة, في آخر ص٩٤ وأول ص٩٥.
٢ انظر صفحتي ١١٩، ١٢٠.

<<  <   >  >>