للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحالات، وثانيهما قائم على روابط طبيعية تربط أعضاء السمع بأعضاء النطق في صورة تجعل الأعضاء الأخيرة تردد من تلقاء نفسها ما يصل من أصوات لغوية إلى الأعضاء الأولى.

هذا، وبحسبنا في الدلالة على فساد هذه النظرية أن نواجهها ببعض ما ذكرنا فيما سبق من حقائق:

فقد ظهر لنا فيما سبق أن الطفل لا يردد الكلمة عند سماعه إياها كما تردد الببغاء ما تسمعه من أصوات، بل يرددها فاهمًا معناها فهمًا كاملًا أوناقصًا من سياق الحديث وملابسات الأحوال١, وبعد أن يتم له حفظها, وتستقر في متن لغته يلفظها وحده كلما أراد التعبير عما تدل عليه, وغنيٌّ عن البيان أن ظاهرة هذا شأنها ليست من الأعمال الآلية أوالمنعكسة في شيء؛ إذ لا يمكن أن يتم مثلها بدون تدخل الإرادة والتفكير.

وقد ظهر لنا فيما سبق أن الطفل لا يكتسب في هذه المرحلة عن طريق المحاكاة مفردات لغته فحسب، وإنما يكتسب كذلك قواعدها المتعلقة بربط عناصر الجملة، وترتيب أجزائها، وتنظيم العبارات، وتصريف المشتقات، ومراعاة أزمنة الأفعال وإسنادها للضمائر, والأسماء الظاهرة، والتذكير والتأنيث, والإفراد والجمع.. وهم جرَّا٢. ومن الواضح أن كسب الطفل لقواعد اللغة يقتضي عمليات فكرية وإرادية دقيقة، ولا يمكن أن يتم شيء منه عن طريق آلي أو منعكس.

وقد ظهر لنا كذلك أن أول كلمات تبدو عند معظم الأطفال هي أسماء الذوات، وتظهر بعده الأفعال، ثم الصفات، ثم الضمائر، ثم الحروف والروابط، وأن السبب في هذا يرجع إلى أن الطفل يسير في ارتقائه اللغوي وفقًا لارتقاء فهمه؛ فدرجة نموه الفكري في مبدأ هذه المرحلة لا تتيح له أكثر من فهم الكلمات الدالة على أمور حسية


١ انظر صفحات ١٤٣-١٤٩.
٢ انظر صفحات ١٤٤-١٤٩.

<<  <   >  >>