للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكن أن يشار إليها, ولذلك اقتصر متن لغته في هذا الدور على أسماء الذوات, فإذا نما تفكيره أمكنه أن يدرك مدلولات الكلمات المعبرة عن أمور معنوية, وحينئذ تظهر في لغته الأفعال "الدالة على الحدث والزمان" والصفات "الدالة على معنى تتلبس به الذوات بشكل عارض" وما إليها. ولما كانت الحروف والروابط أدق أنواع الكلمات مدلولًا لهم, لم يتم له فهمها إلّا في أواسط هذه المرحلة أو أواخرها، فتأخر ظهورها تبعًا لذلك١. وفي هذا أقطع دليل على تدخل التفكير والفهم في عملية التقليد اللغوي, وعلى فساد ما يذهب إليه لودانتك؛ إذ لو كانت هذه العملية آلية, أو منعكسة قائمة على مجرد الارتباط بين جهازي النطق والسمع كما يزعم لودانت, لردد الطفل جميع ما يصل إلى سمعه من مفردات، ولظهرت جميع أنواع الكلمة في لغة الطفل مرة واحدة.

وقد ظهر لنا كذلك أن الطفل الذي يُولَدُ مصابًا بجنون يحول بينه وبين فهم معاني الكلمات ينشأ أبكم, ولو كانت أعضاء سمعه ونطقه سليمة٢, ولو كانت عملية التقليد آلية أو منعكسة على الوجه الذي يزعمه لودانتك, لما حال الجنون دون تحققها؛ إذ الجنون لا يحول دون تحقق هذا النوع من الأعمال.

وقد ظهر لنا كذلك أن الطفل في مبدأ هذه المرحلة يلفظ الكلمات التي يحاكيها لفظًا خاطئًا بعيدًا كل البعد عن الأصل الذي يحاكيه، وأنه لا ينفك يصلح من فساد نطقه شيئًا فشيئًا حتى يستقيم له الكلام٣. ولا شك أن ظاهرةً هذا شأنها في التطور, تقتضي تدخل الإرادة والتفكير، ولا يعقل أن تكون قائمة على الأساس الآلي الذي يزعمه لودانتك.

وقد ظهر لنا كذلك أن الطفل الذي يسوده الخمول، وتعوزه قوة العزم والإرادة، وتضعف رغبته في الاشتراك في حلبة الحياة، يتأخر


١ انظر من آخر ص١٤٧ إلى ١٤٩.
٢ انظر صفحة ١٥٢.
٣ انظر صفحات ١٢٣-١٤٦.

<<  <   >  >>