والقوانين، فأنشئوا "الميتورولوجيا" -علم الأحوال الجوية, و"الأسيونوجرافيا" -علم أحوال المحيطات، وتمكنوا في بحوثهم الجغرافية وغيرها من الكشف عن القوانين الخاضعة لها التيارات البحرية والزلازل والبراكين.
وفي أثناء ذلك، بل من قبل ذلك، فطن الإنسان إلى القوانين التي يخضع لها الكم من حيث أنه مقيس أو معدود, وعلى هذا الأساس أنشئت علوم الرياضة.
واستطاع العلماء كذلك أن يقفوا على القوانين التي تخضع لها الظواهر النفسية الفردية؛ من إدراك ووجدان ونزوع, ومن هذه البحوث تألف "علم النفس" أو "السيكولوجيا".
وقد كان لزامًا بعد هذا كله أن تتجه الأفكار شطر المجتمع الإنساني، وأن يتساءل الباحثون عما إذا كانت الأعمال الاجتماعية خاضعة لقوانين شبيهة بالقوانين الخاضعة لها ظواهر الطبيعة, غير أنهم قد طال تساؤلهم وترددوا كثيرًا بهذا الصدد, وذلك أن الظواهر الاجتماعية تبدو حرة طليقة غير خاضعة لما نسميه بالقوانين؛ فارتفاع ثمن سلعةٍ ما أو انخفاضه، واختلاف مدلول كلمةٍ ما, أو اختلاف حروفها وأصواتها في جيلين متعاقبين، وتغير الأوضاع السياسية في أمة ما ... هذه الأمور وما إليها من الظواهر الاجتماعية تظهر للنظرة الأولى أنها حرة طليقة، ويصعب بداءة ذي بدء الاعتقاد بخضوعها لقوانين ثابتة مطردة كالقوانين الخاضع لها القمر في تزايده وتناقصه, أو النهار والليل في اختلافهما باختلاف الفصول.
لمثل هذه الشبهات لم ينفك الباحثون يقدمون في هذه السبيل رِجْلًا ويؤخرون أخرى، حتى ظهر في القرن الرابع عشر العلامة ابن خلدون, وألف مقدمته الشهيرة التي أثبت فيها بالأدلة القاطعة أن أعمال المجتمع وظواهر العمران خاضعة في مختلف نواحيها لقوانين لا تقل