كثيرًا في مظاهره وطرقه عن الصراع الذي ينشب بين لغتين مختلفتين, والذي سنعالجه في الفصل الثالث.
وينتهي هذا الصراع إلى إحدى نتيجتين؛ فأحيانًا لا تكاد إحدى اللهجتين تؤثر في الأخرى، وذلك إذا تساوى أهل المنطقتين في الثقافة والقوة والنفوذ، وأحيانًا تتأثر إحداهما بالأخرى، وذلك إذا كانت أقل منها في مظهر من المظاهر السابقة.
وتختلف درجة التأثر باختلاف الأحوال, فأحيانًا يكون يسيرًا لا ينال إلّا بعض مظاهر، وأحيانًا يكون عميقًا ينتهي بالقضاء على اللهجة المغلوبة.
فيكون يسيرًا إذا لم تكن الفوارق كبيرة بين أهل المنطقتين في الثقافة والنفوذ والسلطان, ويبدو هذا في تأثر لهجة القرية بلهجة المدينة التي تجاورها, أو يكون بها مقر المحافظة أو المراكز، أو في تأثرها بلهجة البلد الذي يتخد مقرًّا لنقطة البوليس أو للعمدية, أو التي يقام فيها السوق الأسبوعي ... وهلم جرا. ففي هذه الحالات وما إليها يقف التأثر عند حد اقتباس الكلمات والتراكيب, وطرق استخدام المفردات في معانيها الحقيقية والمجازية ... وما إلى ذلك. أما الأساليب الصوتية وطريقة النطق بالحروف والكلمات, فتظل بمنجاة من التأثر والتحريف, ومن ثَمَّ نرى أن القرى المحيطة بقاعدة محافظة من محافظات مصر, قد تقتبس عن هذه القاعدة كثيرًا من ألفاظها وتراكيبها ومدلولات مفرداتها.. ولكن لهجتها تظل سليمة فيما يتعلق بالأصوات وطريقة النطق بالكلمات؛ فالقرى المصرية التي تقلب في لهجتها القاف العربية جيمًا غير معطشة "جلنا=قلنا" قد تجاوز مدينة تختلف عنها في هذا الأسلوب الصوتي "بأن تقلب فيها مثلًا القاف العربية همزة: ألنا= قلنا"، فتقتبس عنها كثيرًا من مفرداتها وتراكيبها ودلالالتها وأساليبها، ولكن تظل طريقتها الصوتية حيال القاف العربية بمأمن من التأثر بطريقة المدينة، اللهم إلّا في الكلمات التي تقتبسها منها.