الغزو والاستعمار, فعلى أثر غزو الآريين للهند انتشرت لغاتهم في هذه البلاد, وقضت على لغات السكان الأصليين -لم يبق من هذه اللغات إلّا آثار ضئيلة, سنعرض لها في أثناء كلامنا في الفصيلة الثالثة، وعلى أثر استعمار الأوربيين للأمريكتين وأستراليا وجنوب أفريقيا انتقلت إلى هذه المناطق اللغات الإنجليزية والأسبانية والفرنسية والبرتغالية.
أما المواطن الأول لهذه الفصيلة فلا نكاد نعرف شيئًا يقينيًّا عنه، وقد ذهب العلماء بصدده مذاهب كثيرة تعتمد في معظم نواحيها على الحدس والتخمين, وفي نواحٍ أخرى على حجج ضعيفة لا يطمئن إلى مثلها التحقيق العلمي؛ فمن قائلٍ أنها نشأت بأوربا الشرقية بالمناطق الروسية؛ ومن قائلٍ أنها نشأت بمناطق بحر البلطيق.
وتمتاز هذه الفصيلة بكثرة شعبها واتساع هوة الخلاف بين أفرادها, فقد انقسمت إلى الطوائف الثمان السابق ذكرها، وانقسمت كل طائفة من هذه الطوائف إلى شعب، وكل شعبة إلى عدد كبير من اللغات، وسلكت كل لغة من هذه اللغات في ارتقائها سبيلًا يختلف عن سبيل غيرها، فكثرت وجوه الخلاف بينها، وتضاءلت وجوه الشبه، حتى أن بعضها ليبدو غريبًا عن بعض، ولا تظهر صلة قرابته به إلّا بعد تأمل عميق.
ويرجع السبب في هذا إلى عوامل كثيرة؛ أهمها اختلاف البيئات التي انتشرت فيها هذه الفصيلة, واختلاف الشئون الاجتماعية التي اكتنفت الناطقين بكل شبعه منها.
وقد ترتب كذلك على هذه العوامل أن اختلفت كل لغة منها عما عداها في درجة رقيها ومبلغ بعدها عن أصولها الأولى؛ فمنها ما يزال جامدًا على خصائصه القديمة، ومنها ما قطع في زمن يسير مرحلة واسعة في طريق الارتقاء، ومنها ما سار في هذه السبيل بخطًى متئدة بطيئة؛ فانتشار الشعبة الإيرانية مثلًا في مناطق عريقة في الحضارة، وتأثرها باللغات التي كانت سائدة في هذه المناطق ... كل ذلك وما إليه قد ذلل