للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طال أمد احتكاك اللغتين, وكان النزاع بينهما عنيفًا والمقاومة قويةً من جانب اللغة المقهورة، وتقل مظاهره كلما قصرت مدة الصراع، أو خفت وطأة النزاع، أو كانت المقاومة ضعيفة من جانب اللغة المغلوبة, فلطول الأمد الذي استغرقه الكفاح بين لغة الإنجليز السكسون بإنجلترا, ولغة الفاتحين من الفرنسيين النورمانديين "الذين أغاروا على بلاد الإنجليز في القرن التاسع الميلادي, واحتلوا معظم مناطق إنجلترا كما سبقت الإشارة إلى ذلك"، ولشدة المقاومة التي أبدتها اللغة النورماندية المقهورة، خرجت اللغة المنتصرة "الإنجليزية" من هذا الصراع وقد فقدت أكثر من نصف مفرداتها الأصلية, واستبدلت به كلمات من اللغة النورماندية المغلوبة، واقتبست منها فضلًا عن هذا مفردات أخرى جديدة, على حين أن لغة بلاد الجول Le Gaule التي انتصرت عليها اللغة اللاتينية لم تترك في اللغة الغالبة أكثر من عشرين كلمة١، واللغات القبطية والبربرية المغلوبة لم تكد تترك أيّ أثر في اللغة العربية الغالبة٢، وذلك لأن الصراع في هذين المثالين، على


١ على أن بعض هذه الكلمات كان قد انتقل إلى اللاتينية قبل غزو الرومان لبلاد الجول.
٢ تركت اللغات البربرية آثارًا كثيرة في اللهجات العامية المغربية، وتركت اللغة القبطية في اللهجات العامية المصرية آثارًا كثيرة وخاصة في المفردات؛ فمن ذلك "مم" بمعنى أكل, مأخوذ من الكلمة المصرية القديمة "أونم"، و"أمبو" مأخوذة من الكلمة القبيطة "أمبمو" بمعنى أنا أشرب، و"واوا" مصرية قديمة بمعنى ألم أو وجع، "و"الكخ" بمعنى القذارة، و"تاتا" مصرية قديمة ومعناها "أمش"، و"البعبع" أصلها "بوبو" وهو اسم عفريت مصري قديم، و"البخ" كلمة قبطية بمعنى شيطان، وعندما يلعب أطفال الفلاحين المصريين بالكرة الشراب فإنهم يقولون "سنو" و"كحكو" و"شكا" "والكلمة الأولى معناها اثنان، والتي تليها معناها يتمنى، والأخير معناها يضرب، وكلها من المصرية القديمة"، و"الحمرأة" أي: التردد وعدم الثبات، والسماء "ترخ" أي تنزل المطر بغزارة، "والمدمس" أصلها "المتمس" بمعنى الفول المطبوخ في الفرن، و "البيصارة" وأصلها بيصورة وهي قبطية كذلك، و"ياما" قبيطة ومعناها كثير، وكلمة "عنتيل" قبطية ومعناها قوي، و"باش" الخبز أي تبلل وهي قبطية، وعندما نغني نقول: "ياليل يا عين" أو يا ليلى يا عيني" والكلمة الأولى أصلها"ليليى" ومعناها بالقبطية الفرحة أو البهجة، وكأننا نقول يا فرحة عيني, أو يا بهجة عيني، ويقول المراكبية "يا للاهيليصا" ومعناها في الأصل القبطي لقد سقطنا في الوحل، والليص معناها الوحل، ونقول فلان "لايص" أي وقع في الوحل، وفي الاستغاثة نقول "جاي" كلمة قبطية بمعنى أغيثوني، وكلمة "شبرًا" معناها الحقل، ويقال "شبرامنت" أي: شبرا الغربية، و"شبراخيت" أي شبرا الشماية, "وكلمة "ميت" التي تسبق أسماء البلاد معناها طريق بالقبطية، وكلمة "مينا" التي تسبق أسماء البلاد معناها بالقبطية محطة، ومعظم أسماء الأدوات المنزلية ترجع إلى أصول مصرية قديمة؛ مثل: الفوطة والفاس والمأجور والمنشة والزباطة.. "انظر كتاب "آثار حضارة الفراعنة في حياتنا" للأستاذ محرم كمال".

<<  <   >  >>