للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغالبة كما سبقت الإشارة إلى ذلك١.

والألفاظ الدخيلة التي تقتبسها اللغة الغالبة من اللغة المغلوبة ينالها كذلك كثير من التحريف في أصواتها ودلالاتها وطريقة نطقها؛ فتبعد في جميع هذه النواحي عن صورتها القديمة, ويظهر هذا بالموازنة بين الكلمات الإنجليزية الآتية, والكلمات الفرنسية التي اقتبست منها: Motton, veal, beef. - Mouton, veau, boeuf، فإن كل كلمة منها تختلف عن أصلها اختلافًا غير يسير؛ في أصواتها ودلالتها وطريقة النطق بها، حتى أن الفرنسي الذي لا يعرف الإنجليزية لا يكاد يتبينها أو يدرك مدلولها إذا سمعها من إنجليزي. وليست هذ الظاهرة مقصورة على الاقتباس الناشئ من الصراع بين لغتين كتب لأحداهما النصر، بل هو ظاهرة عامة تتحقق في جميع الحالات التي يحدث فيها انتقال مفرد من لغة إلى أخرى.

وتقطع اللغة المغلوبة في سبيل انقراضها مراحل كثيرة, تمتاز كل مرحلة منها بمظهر خاص من مظاهر الانحلال وضعف المقاومة, ففي المرحلة الأولى تقذفها اللغة الغالبة بطائفة كبيرة من مفرداتها, فتوهن بذلك متنها الأصلي وتجرده من كثير من مقوماته, ولكن اللغة المغلوبة تظل طوال هذه المرحلة محتفظة بقواعدها ومخارج حروفها وأساليبها في نطق الكلمات، فيؤلف أهلها عباراتهم ويصرفون مفرداتهم وفقًا لقواعدهم التنظيمية والمورفولوجية "السنتكس والمورفولوجيا"، وينطقون بألفاظهم الأصيلة وما انتقل إليهم من ألفاظ دخيلة طبقًا لأسلوبهم الصوتي ومخارج حروفهم، حتى إنهم ليستبدلون في الكلمات الدخيلة بالحروف التي لا يوجد لها نظير لديهم حروفًا قريبة منها من حروف لغتهم, وفي المرحلة التالية تتسرب إلى اللغة المغلوبة أصوات اللغة الغالبة ومخارج حروفها وأساليبها في نطق الكلمات, فينطق أهل اللغة المغلوبة بألفاظهم الأصيلة وما انتقل إليهم من ألفاظ


١ انظر ما ورد بصفحة ٢٣١ بصدد البلغارية الحديثة.

<<  <   >  >>