للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- الحالات التي لا تقوى فيها إحدى اللغتين على التغلب:

أما النتيجة الثانية, وهي عدم تغلب إحدى اللغتين المتجاورتين على الأخرى, وبقاؤهما معًا جنبًا لجنب؛ فتحدث فيما عدا الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة.

ويدخل في هذا الباب معظم العلاقات بين اللغات المتجاورة في العصر الحاضر, فالجوار بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وأسبانيا والبرتغال لم يؤد إلى تغلب لغة شعب منها على لغة شعب آخر؛ لأن احتكاك لغاتها لا ينطبق على حالة من الحالتين اللتين يحدث فيهما التغلب بالمجاورة, ولهذا السبب نفسه لم يؤد الجوار بين الفارسية والعراقية والتركية والأفغانية إلى تغلب لغة منها على لغة أخرى, وكذلك شأن الإنجليزية في الولايات المتحدة بأمريكا الشمالية مع الأسبانية المجاورة لها في المكسيك، وشأن البرتغالية التي يتكلم بها في البرازيل مع الأسبانية التي يتكلم بها في الجمهوريات المتاخمة للبرازيل بأمريكا الجنوبية "كولومبيا، بيرو، بوليفيا، باراجواي، أوراجواي، الأرجنتين.. إلخ". وكذلك شأن الحبشية مع الصومالية.. وهلم جرا.

غير أن عدم تغلب إحدى اللغتين لا يحول دون تأثر كل منهم بالأخرى؛ فالإنجليزية الحديثة بإنجلترا, والفرنسية الحديثة بفرنسا, تتقارضان المفردات منذ أن أتيح للشعبين المتجاورين فرص للاحتكاك وتبادل المنافع, وكذلك تفعل الفرنسية بفرنسا مع الألمانية بألمانيا١، ومع أخواتها المجاورة لها في الجنوب الشرقي والغربي بإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. وتجاور التركية والفارسية، وإن لم يؤد إلى تغلب إحداهما على الأخرى، قد ترك في التركية آثارًا واضحة من الفارسية


١ انتقل إلى الألمانية الحديثة، تحت تأثير جوارها لفرنسا، كثير من المفردات الفرنسية، لدرجة أزعجت أولي الأمر, وحملتهم على التدخل لصد هذا التيار, وإحلال مفردات ألمانية محل المفردات الفرنسية الدخيلة، ولكن قسطًا كبيرًا من جهودهم بهذا الصدد قد ذهب أدراج الرياح.

<<  <   >  >>