للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الاستعمال؛ فتصبح من فحش الكلام وهجره، وقد تسمو إلى منزلة راقية فتعتبر من نبيل القول ومصطفاه١.

ويختلف مبلغ ما تأخذه لغة عن أخرى باختلاف العلاقات التي تربط الشعبين, وما يتاح لهما من فرص للاحتكاك المادي والثقافي؛ فكلما قويت العلاقات التي تربط أحدهما بالآخر، وكثرت فرص احتكاكهما، نشطت بينهما حركة التبادل اللغوي, ولذلك تبلغ هذه الحركة أقصى شدتها حينما يسكن الشعبان منطقة واحدة أو منطقتين متجاورتين, كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفصل الثالث٢؛ فالإنجليزية قد أخذت عن النورماندية أكثر مما أخذته عن أية لغة أخرى؛ لأن الغزاة من النورمانديين قد استقر بهم المقام في بلاد الإنجليز الملغلوبين نفسها٣. واللاتينية قد اقتبست من الإغريقية أكثر مما اقتبسته من أية لغة أخرى، وذلك لتجاور منطقتيهما وشدة الامتزاج بين الشعبين الناطقين بهما٤, ولهذا السبب نفسه بلغت حركة التبادل اللغوي أقصى شدتها بين العربية الفارسية والتركية٥. وما اقتبسته ألمانية سويسرا من اللغة الفرنسية لا يذكر بجانبه ما اقتبسته منها ألمانية النمسا مثلًَا، وذلك لأن القسم الألماني اللغة في سويسرا متاخم للقسم الفرنسي اللغة ولشدة الاحتكاك بين سكان القسمين، على حين أن النمسا غير متاخمة لمنطقة فرنسية اللسان, وقد تسرب إلى لغة رومانيا عدد كبير من مفردات الشعبتين الصقلبية والمجرية، على حين أن أخواتها اللاتينية الأصل "الفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية" لم تكد تتأثر بهذين اللسانين، وذلك لأن رومانيا قد انعزلت عن أخواتها اللاتينية, وأحاط بها من جميع جهاتها أمم صقلبية اللسان أو مجريته.


١ انظر صفحة ٢٣٦, وقد ضرب العلامة Dauzat في كتابه "فلسفة اللغة" Philosophie du Langage أمثلة طريفة لهذه الظواهر، انظر آخر ص٨٢ وصفحة ٨٣ من كتابه هذا.
٢ انظر صفحات ٢٢٩-٢٤٧.
٣ انظر صفحات ٢٣٤-٢٤٠.
٤ انظر صفحة ٢٣٩.
٥ انظر صفحات ٢٣٩، ٢٤٥، ٢٤٦.

<<  <   >  >>