للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومذهبهم هذا يجانب جادة القصد من بعض الوجوه:

حقًّا أن اللغة ظاهرة اجتماعية تقتضيها حاجة الإنسان إلى التفاهم مع أبناء جنسه، فلولا الحياة الاجتماعية ما كانت اللغات١.

وحقًّا أن أهم المؤثرات في مخلف ظواهر اللغة ترجع إلى أمور تتعلق بالحياة الاجتماعية ونظم العمران، كما تدل على ذلك بحوثنا في هذا الفصل وفي الفصول السابقة من هذا الكتاب.

ولكن من الإفراط في تقدير هذه العوامل أن ننسب إليها كل شيء, وننكر ما لغيرها من أثر في هذا السبيل. وإن في دراستنا السابقة نفسها لآيات على خطأ هذا المذهب, فقد رأينا أن قسطًا غير يسير من ظواهر اللغة ترجع أسبابه إلى عوامل جغرافية، وقسمًا كبيرًا منها ترجع أسبابه إلى عوامل جسيمة فيزيولوجية أو نفسية فردية٢, وغنيٌّ عن البيان أن هذه العوامل وما إليها ليست من مظاهر الحياة الاجتماعية في شيء.٣ وسنرى في الفصل الخامس أن أهم المؤثرات في التطور الصوتي خاصة ترجع إلى عوامل من هذا القبيل٤.


١ انظر آخر ص٢٧, وص٢٨, وآخر٣٠, وأول ٣١, والفصل الأول من الباب الأول من هذا الكتاب.
٢ انظر مثلًا ١٣٣-١٤٣, وآخر ١٧٥, وأول ١٧٦، ٢٥٠، ٢٥١.
٣ لم نعد العوامل الأدبية المقصودة من بين هذه العوامل؛ لأنها -وإن كانت فردية من بعض النواحي -ترجع من بعض وجودها إلى ظواهر اجتماعية "انظر الفقرة التالية, وهي الرابعة من هذا الفصل", هذا وقد حاول بعض المتعصبين لنظرية دوسور أن يرجع العوامل الجغرافية والجسمية والنفسية إلى ظواهر اجتماعية، فلم تخل محاولته هذه من تعسف ظاهر.
٤ انظر كذلك في الرد على نظرية دوسوسور Delacroix, Langage et pensee ٤٧-٦٢ وانظر تفصيل هذا الموضوع كله في كتابي "اللغة والمجتمع".

<<  <   >  >>