للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد ظهر في هذا السبيل بعض حركات إصلاحية عند اليونان والرومان في العصور السابقة للميلاد, وفي أواخر القرن التاسع عشر عالج الألمان أساليب رسمهم القديم وأصلحوا كثيرًا من نواحيه, ومثل هذا حدث من عهد قريب في مملكة النرويج, ثم في جمهورية البرازيل١. وقد بدت بهذا الصدد محاولات إصلاحية كثيرة في البلاد الواطئة "هولاندا" وإنجلترا والولايات المتحدة، ولكن معظم هذه المحاولات لم يؤد إلى نتائج ذات بال, وأدخلت الأكاديمية الفرنسية، يشد أزرها ويعاونها طائفة من ساسة فرنسا وعلمائها، إصلاحات كثيرة على الرسم الفرنسي, وقد جانبت في إصلاحاتها هذه مناهج الطفرة, واتبعت سبل التدرج البطيء، فكانت تدخل في كل طبعة جديدة لمعجمها، بجانب التنقيحات اللغوية والعلمية، طائفة من الاصطلاحات الإملائية. وقد أقرت مجموعة هامة من القواعد الجديدة في الرسم الفرنسي, هذا إلى اصطلاحات للعلامة جرياد Greard التي تناولت كثيرًا من نواحي الرسم، وأقرتها الأكاديمية الفرنسية. وكانت كل مجموعة من هذه الاصطلاحات تلقى مقاومة عنيفة من جانب غلاة المحافظين, وعلى الرغم من ذلك فقد عمَّ الأخذ بها، وكان لها أكبر فضل في تيسير الرسم الفرنسي, وتضييق مدى الخلاف بينه وبين النطق الحديث. والرسم العربي نفسه قد تناولته يد الإصلاح أكثر من مرة من قبل الإسلام ومن بعده, ومع ذلك لا يزال عدد كبير من لمفكرين في عصرنا الحاضر يأخذون عليه كثيرًا من وجوه النقص والإبهام، وينادون بإصلاحه من عدة نواحٍ, وخاصة رسم الهمزة والألف اللينة, وابتداع طريقة لإحلال علامات ظاهرة ترسم في صلب الكلمة محل الفتحة والكسرة والضمة حتى يتقي اللبس في نطق الكلمات "عَلِمَ, عُلِمَ، عِلْمُ، عَلَمٌ..إلخ". ولكن الرسم العربي ليس في حاجة إلى كثير من الإصلاح، فهو من أكثر أنواع الرسم سهولة ودقة وضبطًا في القواعد ومطابقة للنطق٢.


١ انظر ص١١٤ وتعليقها الثاني.
٢ انظر تفصيل هذا الموضوع بكتابنا "فقه اللغة" الطبعة السابعة صفحات ٢٥٨-٢٧١.

<<  <   >  >>