اللغوية إلى أغراض وصفية تحليلية ترجع إلى الوقوف على حقيقتها والعناصر التي تتألف منها، والوظائف التي تؤديها، والعلاقات التي تربطها بعضها ببعض, والتي تربطها بما عداها، وأساليب تطورها، والقوانين التي تخضع لها في مختلف نواحيها، وبالجملة تدرس الظواهر اللغوية لشرح ما هو كائن لا لبيان ما ينبغي أن يكون. وقد تقدَّم أن كل بحث هذا شأنه يسمى علمًا. وأما أنها من فصيلة العلوم الاجتماعية، فذلك لأن موضوع العلوم الاجتماعية، كما تقدم، هو دراسة العلاقات التي تتكون بين أفراد يضمهم مجتمع.
ومن الواضح أن الظواهر اللغوية التي تدرسها بحوث علم اللغة ليست إلّا شعبةً من شعب هذه العلاقات؛ فالنظم التي يسير عليها أفراد أمة ما في تفاهمهم والتعبير عما يجول بخواطرهم, لا تختلف في هذه الناحية عن النظم الاقتصادية التي يسيرون عليها في مبادلاتهم، والنظم الدينية التي يتبعونها في عباداتهم وعقائدهم وفهمهم لما وراء الطبيعة، والنظم الخلقية التي يأخذون بها في تمييزهم بين الخير والشر, والفضيلة والرذيلة، والنظم العائلية التي يخضعون لها في الزواج والطلاق والتوريث, وتحديد درجة القرابة، والنظم السياسية التي يحتذونها فيما يتعلق بشكل الحكومة ونظام الحكم, وتوزيع السلطات, وحقوق كل سلطة وواجباتها، والنظم القضائية التي يطبقونها في الجرائم والعقوبات والمسئولية والعقود والالتزامات.
فكما أن كلًّا من النظم الاقتصادية والدينية والخلقية والعائلية والسياسية والقضائية تنظم ناحية من العلاقات الاجتماعية، كذلك النظم اللغوية تنظم ناحيةً هامةً من هذه العلاقات, وهي الناحية المتصلة بالتفاهم بين الأفراد والتعبير عما يجول بالخواطر.