عمَّا كانت عليه في ألسنة أجدادنا في العصور الوسطى, أو في صدر العصور الحديثة.
٢- أنه يحدث من تلقاء نفسه بطريق آلي لا دخل فيه للإرادة الإنسانية, فتحول صوت الثاء العربية مثلًا إلى تاء "ثلاثة، تلاتة"، والذال إلى دال "ذراع، دراع"، والظاء إلى ضاد "الظل، الضل" والقاف إلى همزة "قلت، ألت"، أو جاف "جيم غير معطشة: قلت، جلت", وانقراض الأصوات التي كانت تلحق أواخر الكلمات للدلالة على أعرابها ووظائفها في الجمل "كنت أحسب أن كتاب محمد أحسن من كتاب علي -كنت أحسب أن كتاب محمد أحسن من كتاب علي".. كل ذلك وما إليه قد حدث من تلقاء نفسه بطريق آلي لا دخل فيه للتواضع أو إرادة المتكلمين.
٣- أنه جبري الظواهر؛ لأنه خضع في سيره لقوانين صارمة، لا اختيار للإنسان فيها، ولا يد لأحد على وققها أو تعويقها, أو تغيير ما تؤدي إليه, وإليك مثلًا حالة اللغة العربية في صدر الإسلام, وما آلت إليه الآن, فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلت في سبيل صيانتها ومحاربة ما يطرأ عليها من تحريف، ومع أن هذه الجهود كانت تعتمد على دعامة من الدين، فإن ذلك كله لم يحل دون تطور أصواتها إلى الصورة التي تتفق مع نواميس التطور اللغوي، فأصبحت على الحالة التي هي عليها الآن في اللغات العامية.
٤- أنه في غالب أحواله مقيد بالزمان والمكان؛ فعظم ظواهر التطور الصوتي يقتصر أثرها على بيئة معينة وعصر خاصٍّ، ولا نكاد نعثر على تطور صوتي لحق جميع اللغات الإنسانية في صورة واحدة, فتحول صوت القاف مثلًَا إلى همزة "قلت، ألت" لم يظهر إلّا في بعض المناطق الناطقة بالعربية ومنذ عهد غير بعيد، وتحول صوت a الواقع في نهاية بعض الكلمات اللاتينية إلى صوت e, لم يظهر إلّا عند الفرنسيين, ولم يبد أثره لديهم إلّا في أثناء المدة المحصورة بين نهاية القرن الثامن وأوائل القرن الرابع عشر.