للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- أنه إذا لحق صوتًا معينًا في بيئةٍ ما, ظهر أثره غالبًا في جميع الكلمات المشتملة على هذا الصوت, وعند جميع الأفراد الذين تكتنفهم هذه البيئة؛ فتحول القاف العربية مثلًا إلى همزة في بعض المناطق المصرية قد ظهر أثره في جميع الكلمات المشتملة على هذا الصوت عند جميع أفراد هذه المناطق١.

ومن هذا يظهر فساد كثير من النظريات القديمة بهذ الصدد:

فليس بصحيح ما ذهب إليه بعض العلماء من أن تطور الأصوات يحدث نتيجة لأعمال فردية اختيارية تنتشر عن طريق التقليد والمحاكاة٢.

وليس بصحيح كذلك ما كانت تقول به المدرسة الإنجليزية من عهد سايس Sayce إلى عهد سويت Sweet, من أن التطور الصوتي يتجه باللغة نحو التهذيب والكمال، ولا ما ذهب إليه العلامة بول باسي من أنه يتجه نحو إظهار العناصر الأساسية في الكلمة, وتجريدها مما عسى أن يكون بها من أصوات لا تدعو إليها كبير ضرورة، فيخفف بذلك من ثقلها ويزيدها تمييزًا, وذلك أن اتجاهات كهذه لا يمكن أن تتحقق إلّا في تطور اختياري مقصود, تقوده الإرادة الإنسانية في سبيل الإصلاح. أما وقد ثبت أن التطور الصوتي تطور تلقائي آلي لا دخل فيه للإرادة الإنسانية, فلا يتصور أن يتقيد في اتجاهه بالسبل التي تقول بها هذه النظريات. وأن موازنة بين حالة الكلمات في اللغة العربية الفصحى, وما آلت إليه في اللغات العامية, لأكبر دليل على ما نقول. فمن الواضح أن هذا التطور لم يتجه نحو التهذيب والكمال، ولم يحقق زيادة في تمييز الكلمات، بل أدى في معظم مظاهره إلى اللبس في وظيفة الكلمات ودلالاتها، وجرد اللغة مما بها من دقة وسموّ، وهوى بها إلى منزلة وضيعة في التعبير, وما حدث في اللغة العربية بهذا الصدد حدث


١ لهذه الخاصة بعض استثناءات لا يتسع المقام لذكرها، ومعظمها يمكن رجعه إلى القوانين العامة لحاية اللغات "انظر بعض أمثلة لهذه الاستثناءات في آخر ص٢٩١ وصفحة ٢٩٢".
٢ انظر ص٥٨.

<<  <   >  >>