للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آبائنا الأولين، إن لم يكن في بنيتها الطبيعية, فعلى الأقل في استعدادها١، بل إنها لتختلف عما كانت عليه عند آبائنا الأقربين, غير أن هذا التطور يسير ببطء وتدرج، ولذلك لا يبدو أثره بشكل واضح إلّا بعد زمن طويل.

وغنيٌّ عن البيان أن كل تطور يحدث في أعضاء النطق أو في استعدادها, يتبعه تطور في أصوات الكلمات، فتنحرف هذه الأصوات عن الصورة التي كانت عليها إلى صورة أخرى أكثر منها ملاءمةً مع الحالة التي انتهت إليها أعضاء النطق.

وقد كان لكشف هذه الحقيقة أكبر فضل في نهضة البحوث اللغوية المتعلقة بالصوت، وفي القضاء على كثير من النظريات الفاسدة التي أشرنا إلى بعضها في الفقرة السابقة٢.

وقد اهتدى إلى هذا الكشف، من قبل العلامة٣ Rousselot عدد كبير من الباحثين، ونخص بالذكر منهم هرمان٤ Herman Paul, ولكن جرت العادة بنسبته إلى العلامة روسلو؛ لأنه وقف قسطًا كبيرًا من جهوده على دراسته وتدعيمه بالأدلة القاطعة, وتحري حقائقه بوسائل البحث القديمة، وبوسيلة جديدة لم يكد يسبقه أحد إليها، وهي وسيلة الأجهزة "الفونيتيك التجريبي٥"".

وليس من الميسور وضع قواعد عامة مضبوطة لاتجاهات هذا


١ يكاد العلماء يجمعون على أن أعضاء النطق تختلف بعض الشيء في بنيتها واستعدادها باختلاف الشعوب وباختلاف الظروف المحيطة بكل شعب، كما سيأتي بيان ذلك في الفقرة التالية, ويكادون يجمعون كذلك على أنها في الشعب الواحد والظروف المتشابهة تتطور استعداداتها وتختلف باختلاف العصور، أما تطور بنيتها الطبيعية, واختلافها باختلاف العصور في الشعب الواحد والظروف المتشابهة, فقد اختلف العلماء بصدده: فمن منكر له، ومن قائل به, والمذهب الأخير هو الأولى إلى الصواب.
٢ انظر صفحتي ٢٨٧، ٢٨٨.
٣ انظر صفحة ٦١ وتعليقيها الأول والثاني.
٤ انظر صفحات ٥٧، ٦٠، ٦١.
٥ انظر صفحات ٤٢-٤٥.

<<  <   >  >>