بمختلف أنواعها آثارًا بليغة في مختلف شئون اللغة، فنشأة اللغة، وانقسامها إلى فصائل، وحياتها وانتشارها، وما يطرأ عليها من قوة وضعف, وسعة وضيق, وعظمة وضعة، وصراعها مع غيرها, وانتصارها أو هزيمتها, واحتلالها مناطق كانت تابعة لغيرها, أو تخليها لغيرها عن جميع مناطقها أو عن بعضها، وتعدد مظاهرها تبعًا لتعدد فنونها، وانقسامها إلى لهجات, وتفرع لغات عامية منها، والتطورات التي تحدث في أصواتها, ومدلولاتها وأساليبها وقواعدها ... كل أولئك وما إليه لا يمكن فهمه والوقوف على أصوله وأسبابه إلّا في ضوء الظواهر الاجتماعية الأخرى من سياسية ودينية واقتصادية ... وهلم جرَّا.
فلا غرابة إذن أن تكون الصلة وثيقةً بين العلم الذي يدرس الظواهر اللغوية -علم اللغة- والعلوم التي تدرس الظواهر الاجتماعية الأخرى؛ كعلوم السياسة والأديان والاقتصاد والتاريخ ... وما إلى ذلك.
وليس علم اللغة مرتبطًا بالعلوم الاجتماعية فحسب، بل أن بحوثه متصلة كذلك ببحوث علم النفس؛ فكثير من المسائل التي يعرض لها يتوقف شرحها وفهمها وبيان أصولها وأسبابها على الرجوع إلى ما ترتبط بها من الظواهر النفسية, وإلى ما يقوله علم النفس في صددها. فتكوين المتكلم لعباراته وفق أفكاره، وإدراك السامع الحديث وفهمه له، وصوغ العبارات وتدوينها كتابةً، وفهم القارئ لنقوش الكتابة، وكسب الطفل للغته، وأداء اللغة لوظائفها الدلالية والإيحائية والتأثيرية، وانحطاط لغة في عصر ما, أو عند بعض الشعوب الناطقة بها, وارتقاؤها في عصر آخر, أو عند شعوب أخرى، وتعدد فروع اللغة تبعًا لتعدد نواحي التفكير، وتطور اللغة في مدلولات كلماتها وأساليبها ... كل هذه الظواهر وما إليها تعتمد اعتمادًا جوهريًّا على ظواهر عقلية؛ كالإدراك الحسيّ, والتفكير, وإدراك المعاني الكلية, والحكم والاستدلال, وخيال الحركة, والخيال النظري, والحافظة, والذاكرة, وتداعي المعاني, والحالات الوجدانية, والانتباه, والعادة, ومظاهر النزوع والإرادة, والأمزجة, ووراثة الصفات النفسية.. وهلم جرَّا. ومن الواضح أن