للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الظواهر هي موضوع علم النفس، ولا يمكن فهمها وتحديد صلتها باللغة وأثرها فيها إلّا بالرجوع إليه.

ويتصل علم اللغة كذلك بالبحوث التاريخية والجغرافية؛ فكثير من الظواهر اللغوية التي يعرض لها ترجع عواملها وأصولها إلى ظواهر جغرافية وتاريخية؛ فانتشار اللغة وصراعها مع غيرها, وانتصارها أو هزيمتها, واحتلالها مناطق كانت تابعة لغيرها, أو تخليها لغيرها عن جميع مناطق نفوذها أو عن بعضها، وانقسامها إلى لهجات وتفرع لغات عامية منها, وانتشار الدخيل بين ألفاظها، واستعارتها كلمات من غيرها، وتأثرها بقواعد غيرها من اللغات أو بأساليبها، وما يطرأ عليها في أثناء حياتها من قوة وضعف, وسعة وضيق، والتطورات التي تحدث في أصواتها ومدلولاتها وأساليبها ... كل ذلك وما إليه ترجع طائفة من أسبابه إلى ظواهر تاريخية وجغرافية: كالغزو، وتغلب أمة على أخرى، والهجرة، واندماج أمم بعضها في بعض، واتصال أمة بما عداها، واعتناقها دينًا غير دينها الأصليّ, وكالموقع الجغرافي للبلد، وحالة الجو، وطبيعة الأرض، وما تشتمل عليه من تضاريس وجبال وفجوات وخلجان، والحدود الطبيعية التي تفصل أجزاء الأمة الواحدة, أو تفصل المناطق الناطقة بلغة واحدة بعضها عن بعض.. وهلمَّ جرَّا.

ويتصل علم اللغة كذلك بعلوم الطبيعة ووظائف الأعضاء والتشريح والبيولوجيا والأنتروبولوجيا؛ فهو يستعين ببحوث علم الطبيعة في تحليل الصوت, والوقوف على خواصه وقوته ومدته وموجاته وذبذبته وانتشاره وما يتصل بذلك, ويستعين بالتشريح والفيزيولوجيا الإنسانية -وظائف أعضاء الإنسان- في الوقوف على مخارج الحروف, وتحليل أعضاء النطق والسمع، والوقوف على وظائفها، وكيفية قيامها بهذه الوظائف، واختلافها باختلاف الأفراد، واختلافها في الفرد الواحد باختلاف سنه، واختلافها باختلاف الأمم، واختلافها في الأمة الواحدة باختلاف عصورها، وبيان أثر هذه الظواهر جميعها, وما إليها في اللغة نشأتها وتطورها. ويستعين بالبيولوجيا -علم الحياة- والأنتروبولوجيا

<<  <   >  >>