للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يد لأحد على وقفها أو تعويقها، أو تغيير ما تؤدي إليه. وإليك مثلًا حالة اللغة العربية؛ فعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلت في سبيل صيانتها ومحاربة ما يطرأ عليها من لحن وتحريف، ومع أن هذه الجهود كانت تعتمد على دعامة من الدين، فإن ذلك كله لم يحل دون تطورها في القواعد والأساليب ودلالة المفردات إلى الصورة التي تتفق مع قوانين التطور اللغوي، فأصبحت على الحالة التي هي عليه الآن في اللهجات العامية.

غير أن علماء اللغة لم يصلوا بعد إلى الكشف عن جميع القوانين التي يسير عليها التطور الدلالي، وما كشفوه منها لم يصل بعد في دقته وضبطه وعمومه إلى مستوى القوانين المتعلقة بالتطور الصوتي، كما أشرنا إلى ذلك وإلى أسبابه في مقدمة هذا الكتاب١.

٤- إن الحالة التي تنتقل إليها الدلالة ترتبط غالبًا بالحالة التي انتقلت منها بإحدى العلاقتين اللتين يعتمد عليهما تداعي المعاني٢، ونعني بهما علاقتي المجاورة والمشابهة٣: فتارة يعتمد انتقال الدلالة على علاقة المجاورة المكانية؛ كتحول معنى "ظعينة" "معناها في الأصل المرأة في الهودج" إلى معنى الهودج نفسه, وإلى معنى البعير٤، وتحول معنى ذقن في عامية المصريين إلى معنى اللحية٥، وتحول bureau من غطاء المكتب إلى المكتب نفسه، وكتأنيث الرأس في عامية بعض المناطق المصرية "انتقل إليه التأنيث من الأعضاء المؤنثة المجاورة له وهي العين والأذن" ... وهلم جرا. وتارةً يعتمد على علاقة المجاورة الزمنية؛ كتحول معنى العقيقة "هي في الأصل الشعر


١ انظر صفحة ٢٣.
٢ من المقرر في علم النفس أن حضور معنًى يدعو إلى الذاكرة بعض المعاني المرتبطة معه بعلاقة المجاورة أو المشابهة.
٣ هذا هو تفصيل ما يقصده علماء اللغة؛ إذ يقرون أن تطور الدلالة خاضع لقانون التماثل loi de Fanalogie
٤ المزهر للسيوطي الجزء الأول ٣٠٧.
٥ الذقن في الأصل هو مجمع عظمى الحنك، ولا يخفى أن هذا الموضع مجاور للشعر الثابت في الوجه.

<<  <   >  >>