في الإسلام في العبادة المعروفة لاشتمالها على مظهر من مظاهر الدعاء، حتى أصبحت لا تنصرف عند إطلاقها إلى غير هذا المعنى، والحج معناه في الأصل: قصد الشيء والاتجاه إليه، ثم شاع استعماله في قصد البيت الحرام، حتى أصبح مدلوله الحقيقي مقصورًا على هذه الشعيرة, وقس على ذلك جميع أفراد هذ الطائفة, ومن ذلك أيضًا كلمة "الرث" فقد كانت تطلق على الخسيس من كل شيء, ثم قصر مدلولها على الخسيس مما يفرش أو يلبس لكثرة استخدامها في هاتين الطائفتين، وكلمة "المدام" فهي في الأصل كل ما سكن ودام، ثم شاع استعمالها في الخمر لدوامها في الدن، أو لأنه يغلى عليها حتى تسكن، فأصبحت لا تنصرف إلى غير هذا المعنى.
وكثرة استخدام الخاص في معانٍ عامة عن طريق التوسع, تزيل مع تقادم العهد خصوص معناه وتكسبه العموم, فمن ذلك مثلًا في اللغة العربية: البأس والورد والرائد والنجعة والحوة ... وهلم جرا: فالبأس في الأصل الحرب, ثم كثر استخدامه في كل شدة، فاكتسب من هذا الاستخدام عموم معناه، وأصل الورد إتيان الماء وحده, ثم صار إتيان كل شيء وردًا، لكثرة استخدامه في هذا المعنى العام، والرائد في الأصل طالب الكلأ, ثم صار طالب كل حاجة رائدًا، والنجعة في الأصل طلب الغيث, ثم عممت في الاستخدام فأصبح كل طلب انتجاعًا، والحوة في الأصل شية من شيات الخيل، وهي بين الدهمة والكمتة، ثم توسّع في استعمالها حتى صار كل أسود أحوى، فيقال ليل أحوى، وشعر أحوى. ومن ذلك في اللغة الفرنسية كلمة salaire؛ فقد كان معناها في الأصل -كما تدل على ذلك بنيتها: ما يصرف للجندي من نقود في نظير ما يحتاج إليه من ملح الطعام، ثم شاع استعمالها في كل أجرة حتى نسي معناها الأصلي، وكلمة arriver: فقد كانت تدل في الأصل -كما تشير إلى ذلك بنيتها- على الوصول إلى الشاطي، ثم شاع استعمالها في كل وصول، فاستقر معناها على هذا الوضع العام.