للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكثرة استخدام الكلمة في معنًى مجازيّ تؤدي غالبًا إلى انقراض معناه الحقيقيّ, وحلول هذا المعنى المجازي محله؛ فمن ذلك مثلًا في اللغة العربية كلمات: المجد والأفن والوغى والغفران والعقيقة.. وهلم جرا؛ فالمجد معناها في الأصل: امتلاء بطن الدابة من العلف، ثم كثر استخدامه مجازًا في الامتلاء بالكرم, حتى انقرض معناه الأصلي, وأصبح حقيقة في هذا المعنى المجازي, ولهذا السبب نفسه انتقل معنى "الأفن" من قلة لبن الناقة إلى نقص العقل، وانتقل معنى "الوغى" من اختلاط الأصوات في الحرب إلى الحرب نفسها، ومعنى "الغفر" والغفران من الستر إلى الصفح عن الذنوب، ومعنى "العقيقة" من الشعر الذي يخرج على الولد من بطن أمه إلى ما ذبح عنه عند حلق ذلك الشعر.

وكثرة استخدام الكلمة في العبارات المنفية ينزع عنها معناها الأصلي ويكسبها معنى العموم والإطلاق، فتصبح أشبه شيء بأداة من أدوات النفي, فمن ذلك في العربية كلمات: أحد وديار وقط وأبدًا, وما إليها، وفي الفرنسية كلمات. Pas, rien, Personne, etc

واستخدام الكلمة في فن بمعنًى خاصٍّ يجردها في هذا الفن من معناها اللغوي, ويقصرها على مدلولها الاصطلاحي. ويدخل في هذا مصطلحات الآداب والفلسفة والقانون والاجتماع والعلوم والفنون ... وما إلى ذلك.. ومن ثَمَّ نرى أن الكلمة الواحدة تستعمل في الشعر بمعنى، وفي الرسائل بمعنى آخر، وفي السياسة بمعنى ثالث، وفي القانون بمعنى رابع، وفي الفنون الحربية بمعنى خامس، وفي الطبيعة بمعنى سادس، وفي الطب بمعنى سابع ... وهلم جرا. وقد عرضنا لهذا الموضوع بشيء من التفصيل في الفصل الأول من الباب الثاني من هذا الكتاب١.

٢- عوامل تتعلق بمبلغ وضوح الكلمة في الذهن, فكلما كان مدلول الكلمة واضحًا في الأذهان قلَّ تعرضه للتغير، وكلما كان مبهمًا


١ انظر على الأخص صفحات ١٨٦-١٨٨.

<<  <   >  >>