لغة؛ فقد يخصص مدلولها العام, وتقصر على بعض ما كانت عليه في لغتها الأصلية، وقد يعمم مدلولها الخاص، وقد تستعمل في غير ما وضعت له لعلاقةٍ ما بين المعنيين، وقد تنحط إلى درجة وضيعة في الاستعمال؛ فتصبح من فحش الكلام وهجره، وقد تسمو إلى منزلة راقية فتعتبر من نبي القول ومصطفاه، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وإلى أسبابه وأمثلته في الفصول السابقة١.
٧- وقد يكون العامل في تغير معنى الكلمة أن الشيء نفسه الذي تدل عليه قد تغيرت طبيعته أو عناصره أو وظائفه أو الشئون الاجتماعية المتصلة به.. وما إلى ذلك, فكلمة "الريشة" مثلًا "Plume" كانت تطلق على آلة الكتابة أيام أن كانت تتخذ من ريش الطيور، ولكن تغير الآن مدلولها الأصلي تبعًا لتغير المادة المتخذة منها آلة الكتابة, فأصبحت تطلق على قطعة من المعدن مشكلة في صورة خاصة, والقطار كان يطلق في الأصل على عدد من الإبل على نسق واحد تستخدم في السفر، ولكن تغير الآن مدلوله الأصلي تبعًا لتطور وسائل المواصلات، فأصبح يطلق على مجموعة عربات تقطرها قاطرة بخارية, و"البريد" كان يطلق على الدابة التي تحمل عليها الرسائل، ثم تغير الآن مدلوله تبعًا لتطور الطرق المستخدمة في إيصال الرسائل، فأصبح يطلق على النظم والوسائل المتخذة لهذه الغاية في العصر الحاضر, و"بنى الرجل بامرأته" كانت تستخدم كناية عن دخوله بها؛ لأن الشاب البدوي كان إذا تزوج يبني له ولأهله خباء جديدًا، ولا تزال تستخدم هذه العبارة كناية عن المعنى نفسه, مع أن الزفاف لا علاقة له في نظمنا الحاضرة بالبناء, وقد جرت العادة في بعض العصور بفرنسا أن يقضي المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة مدة عقوبتهم في أعمال التجديف على ظهر السفن الملكية، ومن ثَمَّ جاءت عبارة envoyer aux galeres وجاءت وصف galerien، ولكن تغير الآن مدلولها تبعًا لتغير النظم المتصلة بهذه العقوبة ونوعها.