وقد أخذ علماء اللغة على طريقة الملاحظة بمختلف أنواعها مآخذ كثيرة، وتبين لهم نقصها في كثير من الشئون.
فكثير من العلماء لا يثقون بالملاحظة الذاتية -ملاحظة الباحث لما يصدر عنه هو من ظواهر لغوية- ويرتابون في كل ما يصل عن طريقها من حقائق, وذلك أنهم يرون أن قوى العقل في أثناء ملاحظة الإنسان لما يصدر عنه ويقوم به من ظواهر لغوية تكون موزعة مشتتة؛ فهي تشرف على إصدار الظواهر اللغوية, وتلاحظ في الوقت نفسه ما تصدره من هذه الظواهر, وتكون النتيجة أن كلا الأمرين -الاصدار والملاحظة- يكون ناقصًا غير طبيعيّ، لعدم تفرغ القوى العقلية له, ولاشتغالها بشيء آخر في أثناء قيامها به, هذا إذا لاحظ الباحث نفسه في أثناء قيامها بالظاهرة اللغوية، فإن ملاحظته في هذه الحالة تكون منصبَّةً على ما تستعيده ذاكرته من عناصر الظاهرة التي فرغ منها. وملاحظة كهذه لا يوثق بها؛ لأنه من المتعذر أن يتذكر الإنسان كل ما أصدره أو قام به تذكرًا صحيحًا لا نقض فيه ولا زيادة ولا تغيير ولا تبديل.
هذا إلى أن عزم الشخص على ملاحظة ما يصدر عنه من ظواهر لغوية، سواء أراد أن تجرى هذه الملاحظة في أثناء قيامه بالعمل, أو بعد فراغه منه، يحمله على توجيه قسط من انتباهه للعمل في أثناء صدوره, وتوجيه الانتباه لعمل من الأعمال العادية في أثناء صدوره يشوهه, ويجعله يصدر في صورة غير طبيعية. ألا ترى أنك لو حاولت أن تعرف مثلًا كيف تكتب أو كيف تمشي؛ لاعتراك اضطراب في أعصابك فتتشوه كتابتك وتتعثر في مشيتك؟
وكثيرًا ما يكون علماء اللغة متأثرين في أثناء ملاحظتهم لما يصدر عنهم من ظواهر لغوية ببعض مبادئ ونظريات، فمهما حاولوا الدقة في الملاحظة, فإن هذه المبادئ والنظريات تفسد عليهم أحكامهم, وتبعدها عن الحقيقة من حيث لا يشعرون.