ما وصل إليه من حقائق وقوانين تنتظم جميع الظواهر اللغوية, وذلك أن ارتقاء اللغات وتطورها لا تظهر آثارهما جليّةً واضحةً إلا بملاحظة مرحلة طويلة من مراحل التاريخ الإنساني، وهذا لا يتاح إلّا بدراسة اللغات الميتة من بطون الكتب والآثار. وقد بدأ علم اللغة بداءةً حسنة بهذا الصدد، فقد وجَّه الباحثون فيه منذ نشأته عناية كبيرة إلى دراسة اللغات الميتة القديمة، بل إن عناية القدامى منهم بملاحظة اللهجات الحية واللغات الحاضرة لم تكن شيئًا مذكورًا بجانب عنايتهم بدراسة ما دثر من اللغات١.
وتنقسم الملاحظة كذلك باعتبار تعلقها بشخص الملاحِظ -بكسر الحياء- أو بغيره إلى قسمين: أحدهما: الملاحظة الذاتية Subjective, وهي أن يلاحظ الباحث ما يصدر عنه هو من ظواهر لغوية, ويدون ملاحظاته ويحللها؛ ليصل على ضوئها إلى تحقيق ما يرمي إليه، أو أن يكلف شخصًا آخر أن يلاحظ ما يصدر عنه -عن ذلك الشخص الآخر- من ظواهر لغوية, ويطلب إليه أن يصفها له، فيدون هذا الوصف ويحلله ويوازنه بملاحظات أخرى, ويستخدمه في علاج ما تعنيه دراسته. وثانيهما: الملاحظة الخارجية Objectif, وهي ملاحظة الباحث لما يصدر عن شخص آخر من ظواهر لغوية, بدون أن يكون لهذا الشخص الآخر أي دخل في الملاحظة, وهذا القسم الأخير ينقسم هو نفسه قسمين: ملاحظة خارجية سلبية Passive، وملاحظة خارجية إيجابية Positeve؛ فالسلبية: هي ما يترك فيها الملاحَظ -بفتح الحاء- على حالته الطبيعية، بأن يقتصر الباحث على الاستماع إليه, وهو يتحدث حديثًا عاديًّا, والإيجابية: هي ما يعمل فيها الباحث على توجيه الشخص الذي تُجْرَى عليه الملاحظة وجهةً معينة، بأن يُلْقِي عليه أسئلة خاصة في الموضوعات التي يهمه بحثها؛ ليصل على ضوء إجاباته إلى الوقوف على ما يعنيه الوقوف عليه.
١ سنتكلم عن هذا بتفصيل في أثناء كلامنا عن تاريخ البحوث اللغوية "انظر الفقرة التالية".