للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتخليصها من جميع المسائل الفلسفية التي لا يتفق منهج البحث فيها مع ما ينبغي أن تكون عليه مناهج البحث فثي العلوم, والتي لا يمكن الوصول فيها إلّا إلى فروض وآراء ظنية لا تسمو إلى درجة اليقين, ولا يطمئن إلى مثلها التحقيق العلمي.

وقد كان لهذا الاتجاه آثار جليلة في مختلف فروع هذا العلم؛ فبفضله وضحت حدود كل فرع منها ومناهجه، وهذبت أساليبه وطرق دراسته، واجتذب إليه عددًا كبيرًا من أعلام الباحثين، فكثر الإنتاج ورقي نوعه, وكان من آثاره كذلك أن انصرف العلماء عن البحث في موضوع نشأة اللغة, وتركوا دراسته للفلاسفة والميتافيزيقيين -الباحثين فيما وراء الطبيعة١.

ويرجع الفض في توكيد هذا الاتجاه إلى مدرسة ألمانية الأصل, أطلق على أفرادها اسم: "المحدثين من علماء القواعد" Neo-Grammairiens, فقد ذهبت هذه المدرسة إلى جبرية الظواهر اللغوية، فقررت أن هذه الظواهر لا تسير وفقًا لإرادة الأفراد, أو تبعًا للأهواء والمصادفات، وإنما تسير وفقًا لقوانين لا يستطيع الفرد إلى تعويقها أو تغييرها سبيلًا، ولا تقل في ثباتها وصرامتها واطرادها وعدم قابليتها للتخلف عن النواميس الخاضعة لها ظواهر الفلك والطبيعة٢، وأن واجب الباحث في هذه الظواهر ينبغي أن ينحصر في تحليلها لكشف القوانين الخاضعة لها, ومن أشهر أفراد هذه الدراسة: ليسكين Leskien, وبروجمان Brugmann, وأستوف Ostof, وهرمان بول Hermann Paul, ودلبروك Belbruck.

وقد لقي مذهبهم هذا في مبدأ أمره مقاومة كبيرة من طوائف كثيرة, وبخاصة من ثلاث طوائف:


١ انظر صفحة ٦.
٢ انظر توضيح ذلك بصفحات ٢٠-٢٣.

<<  <   >  >>