للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان لزامًا أن يصل العلماء في تعقبهم لأصول اللغات ومراحل ارتقائها إلى أقدم مرحلة للتعبير الإنساني، وأن يحاولوا الكشف عن منشأ اللغة في الفصيلة الإنسانية, وعن الأسس الأولى التي قام عليها التخاطب بالأصوات ذات الدلالات الوضعية, وقد استأثرت هذه المشكلة بقسط كبير من نشاطهم في منتصف القرن التاسع عشر، وانقسموا بصددها إلى فرق كثيرة -سيأتي الكلام عنها في الباب الأول من هذا الكتاب, ومن أشهر من عرض لهذا الموضوع: الفيكونت دوبونالد١ Viconte de Bonald وماكس مولر، وسيس، ورينان٢ Renan.

وفي أواخر القرن التاسع عشر, ظهر عند المشتغلين بالبحوث اللغوية اتجاهان هامَّان, كان لكل منهما أثر كبير في النهوض بهذا العلم.

الاتجاه الأول: يتمثل في جعل البحوث اللغوية بحوثًا علمية بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة، وذلك بإخضاعها لمناهج البحث العلمي، وتوجيهها إلى الأغراض نفسها التي ترمي إليها العلوم، وجعل غايتها الأساسية الوصول إلى كشف القوانين الخاضعة لها الظواهر اللغوية ٣


١ اسمه لويس جبرائيل امبرواز Loues-Gabriel-Ambroise, ولد في مدينة ميو Millau من أعمال فرنسا عام ١٧٥٤, وتوفي بها عام ١٨٤٠, وله مؤلفات كثيرة في السياسة والفلسفة، وكان من أشهر المتعصبين لنظام الحكومة الملكية الخاضعة للنفوذ الديني الكاثوليكي.
٢ آرنست رينان Ernest Renan, من أشهر المؤرخين والفلاسفة وعلماء اللغة الفرنسيين في القرن التاسع عشر، ولد ببلدة تريجييه Treguier عام ١٨٢٣, وتوفي بباريس عام ١٨٩٠, درس اللاهوت واللغات الشرقية والعلوم, ومختلف فروع الفلسفة والآداب، وتولى تدريس اللاهوت واللغة العبرية والتاريخ والفلسفة في كثير من المعاهد, وعُيِّنَ عضوًا بالأكاديمية الفرنسية, ومديرًا للكوليج دوفرانس College de France, وله نحو خمسين مؤلفًا كبيرًا في التاريخ العام, وتاريخ الديانات, وفي اللغات والأخلاق والفلسفة واللاهوت والسياسة وغيرها, وقد كان لمؤلفاته أكبر أثر في الثقافة الفرنسية في القرن التاسع عشر, ومن أشهر كتبه في المؤلفات: "تاريخ اللغات السامية" و"نشأة اللغة".
٣ انظر صفحات ١٧-٢٣.

<<  <   >  >>