بعض مسائل الصرف استطرادًا, وفي خلال دراستهم لمسائل النحو, ثم أخذت مسائل الصرف تنفصل شيئًا فشيئًا عن مسائل النحو، وتدرس على حدة، حتى تَكَوَّنَ منها علم متميز, غير أن هذا العلم لم يستقل تمام الاستقلال عن النحو, فلا تزال طائفة كبيرة من مسائله ممتزجة بالنحو, ولم ينفك الباحثون إلى عهد قريب ينظرون إلى الشعبتين نظرتهم إلى علم واحد, ويعالجون مسائلهما في مؤلفات واحدة١.
ويرجع الفضل في النهوض بهاتين الشعبتين إلى عدد كبير من أعلام الباحثين بالبصرة والكوفة وبغداد ومصر وغيرها في العصرين الأموي والعباسي، ومن أشهرهم: أبو الأسود الدؤلي -واضع النحو بإرشاد الإمام علي بن أبي طالب, وعنبسة الفيل، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وميمون الأقرن، وعبد الله ابن إسحاق الحضرمي، والأخفش الأكبر، وأبو عمرو بن العلاء, وجميع هؤلاء من قدامى الباحثين من البصريين، ولم يصل إلينا شيء يعتد به من مؤلفاتهم, وعيسى بن عمر الثقفي, وكان على رأس جماعة يرجع إليه الفضل في نقل هذا العلم إلى الكوفة، ويقال: إنه ألف في نحو البصريين أكثر من سبعين مجلدًا منها كتابا "الجامع" و"الإكمال", ولكن لم يصل إلينا شيء يعتد به من مؤلفاته, وأبو جعفر الرؤاسي, صاحب كتاب "الفيصل" في نحو الكوفيين، وأبو مسلم معاذ الهراء, وكلاهما من قدامى الباحثين من الكوفيين, والخليل بن أحمد الذي يرجع إلى جهوده القيمة, ومؤلفاته الجليلة, وعبقريته النادرة, أكبر قسط من الفضل في النهوض بهاتين الشعبتين وغيرهما من شعب البحوث اللسانية, وأعضاء مدرسة المحدثين من البصريين الذي كان على رأسهم سيبويه -أشهر أئمة النحو وصاحب "الكتاب"، الذي صار إمامًا لكل الباحثين من بعده، ثم الأخفش الأوسط -شارح "كتاب" سيبويه.
١ ولكن جرت عادة معظمهم أن يفرد لكل منهما أبوابًا على حدة.