للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضهم مع بعض عن بعد, حتى لا يسمع صوتهم الحيوان المطارد، ومنها الحركات اليدوية والجسمية التي يستخدمها الصم للتعبير عما يجول بخواطرهم، ومنها الإشارات التي يلجأ إليها الفرد أحيانًا للتعبير إذا كان المخاطب لا يفهم لغته، والتي جرت العاة في بعض الأمم البدائية أن يستخدمها أفراد العشائر المختلفة اللهجات بعضهم مع بعض١، ومنها الإشارات التي تستخدم في بعض الشعوب في حالات الصيام الديني عن الكلام٢، ومنها الحركات التي يستعين بها في أثناء حديثهم أهل اللغات الساذجة الناقصة؛ لتكملة ما ينقص تعبيرهم, وما يعوزه من دلالة٣، ومنها الحركات التي تصحب حديثنا نحن لتوكيد المعاني, أو لتمثيل الحقائق, أو الزيادة التوضيح، والتي نستخدمها وحدها للدلالة على


١ عثر علماء الأتنوجرافيا على هذه الظاهرة عند كثير من قبائل السكان الأصليين لأمريكا واستراليا، وعند بعض العشائر الإفريقية. وقد روى الأستاذ كوهل Kohl أنه إذا التقى أحد الهنود الحمر -السكان الأصليين لأمريكا الشمالية- بآخر من غير عشيرته، مختلف عنه في لغته، فإنهما يلجآن في تعبيرهما إلى لغة الإشارات التي تعتبر عند هذه العشائر بمثابة لغة دولية, وقد مهر الهنود الحمر في هذه اللغة إيَّمَا مهارة، ففي إمكان المتخاطبين أن يظلَّا يومًا كاملًا يتحدثان عن طريق الإشارات باليد والأصابع والرجلين، وأن يقص كل منهما على الآخر كل ما يود قصه عليه, انظر ليفي برول "الوظائف العقلية في الأمم الأولية" ١٧٨ وتوابعها.
Levy Bruhl: Fonctions mentales etc
٢ يوجد الصيام الديني عن الكلام عند كثير من الأمم البدائية, وبخاصة عند سكان استراليا وأمريكا, فقد ذكر الأستاذان سبنسر وجيلين في كتابهما عن سكان استراليا الوسطى حالات كثيرة من هذا القبيل، منها: أن المتوفى عنها زوجها يجب عليها أن تظل مدة طويلة، تبلغ أحيانًا عامًا كاملًا, صائمة عن الكلام, ويظهر أن شيئًا من هذا كان موجودًا في ديانة اليهود، بدليل قوله تعالى حاكيًا كلام عيسى وهو في المهد لمريم: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ... } , {فَأَشَارَتْ إِلَيْه ... } إلخ". وقد عرف العرب أنفسهم في الجاهلية هذا النوع من الصيام ومارسوه, وكان يطلق عليه عندهم اسم "الضرس" -بفتح الضاد. وتقول المعجمات العربية في شرح هذه الكلمة: أنه صمت يوم إلى الليل, وقد أزال أبو بكر الصديق وهو خليفةٌ ما بقي من أثر لهذا النوع الغريب من الصوم -انظر كتابنا "الصوم والأضحية" ومقالًا لنا عن الصوم في مجلة "لواء الإسلام" عدد ديسمبر ١٩٧٢".
٣ لوحظ هذا في كثير من الأمم البدائية؛ فقد رُوِيَ عن البوشيمان Boschimans عشائر بدائية تسكن أفريقيا الجنوبية" إنه إذا أرادوا المحادثة ليلًا يضطرون إلى إشعال النار ليتمكنوا من رؤية الإشارات اليدوية التي تصحب كلامهم فتكمل ناقصه وتحدد مدلولاته. انظر ريبو "تطور المعاني الكلية" ص٧٨, وتوابعها.
Ribot Evolution des les etc.

<<  <   >  >>