للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا هو مذهب البصريين في تقدير الرفع، أما الكوفيون فيذهبون إلى أن "مذ ومنذ" إذا ارتفع الاسم بعدهما ارتفع بتقدير فعل محذوف. وذهب أبو زكريا الفراء إلى أنه يرتفع بتقدير مبتدأ محذوف (١).

ولا يعني أخذه برأي البصريين في هذه المسائل أنه بصري المذهب أو ممن يتعصب له، فقد خالف رأي البصريين في غير مسألة من مسائل النحو واللغة رجح فيها رأي الكوفيين، فمن ذلك رده على ابن درستويه والجبان - وهما ممن يتعصب للمذهب البصري - إنكارهما على ثعلب قوله في تأنيث الأسود: "والأنثى أسودة" فقال: "أنكر ابن درستويه أسودة، وكذلك أنكره الجبان أيضا، وقال: هذا شيء من قبل الكوفيين، لأن أسود إن كان وصفا فتأنيثه سوداء، وإن كان اسما غير وصف فلا لفظ منه لمؤنثه مختص. وهذا الذي أنكراه على ثعلب - رحمه الله - لا يقدح فيما رواه عن علماء الكوفيين، ولو لم يصح له سماع ذلك منهم لما أثبته في كتابه، وإذا ورد الشيء المسموع عن من يوثق به تقبل ذلك وإن كان خارجا عن القياس، ومع هذا فإن غيره من أهل اللغة أيضا قد حكى: رأيت أسودات كثيرة، أي حيات، فجمع أسودة على أسودات" (٢).

وقال ثعلب: "وهو الوقود، والطهور، والوضوء، تعني الاسم، والمصدر بالضم" فوافق أبو سهل ثعلبا على هذا التفريق، وهو مذهب كوفي، أما البصريون فقالوا: الفتح والضم في هذه الألفاظ للأسم


(١) الإنصاف ١/ ٣٨٢.
(٢) ص ٨٩٦ - ٨٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>