الإنسان ابن بيئته يؤثر فيها ويتأثر بها، ولا يمكن دراسة شخصية عالم من العلماء بمعزل عن بيئته وعصره، لما لأحداث العصر من صلة قوية في تكوين شخصية العالم، وبناء ثقافته وتحديد اتجاهه العلمي، فلذلك كان علينا قبل الدخول في تفاصيل حياة أبي سهل الهروي تقديم لمحة سريعة عن الحياة السياسية والاجتماعية والعلمية في عصره.
[أولا: الحياة السياسية.]
في أواخر القرن الرابع، والثلث الأول من القرن الخامس الهجري عاش أبو سهل الهروي (٣٧٢ - (٤٣٣) هـ). وفي العصر أخذت خلافة بني العباس تضعف وتتقهقر في مجالات شتى سياسية وإدارية واقتصادية، فمن الناحية السياسية اتسم هذا العصر بكثرة الفتن والحروب، وانقسمت الخلافة إلى ممالك ودويلات كثيرة متنافسة متناحرة، وتتمتع في الوقت نفسه بالسيطرة والنفوذ والاستقلال الفعلي عن الخلافة العباسية، عدا بعض مظاهر الولاء الشكلي كالدعاء للخليفة على المنابر (١).
ففي شرق الخلافة الإسلامية وبلاد فارس وما وراء النهر، كانت هذه الجهات تخضع لسيطرة الفرس السامانيين، والأتراك الغزنويين، ونشأ بين هذين العنصرين نزاع مرير وحروب مستمرة أدت في النهاية إلى القضاء