ويؤدي تتابع الفصول إلى تنظيم دورة الحياة النباتية ووجود مهن وتحركات سكانية مترتبة عليها حيث يرتبط بذلك العمل الزراعي تبعا لأوقات نمو النبات المختلفة وتخضع حركة الرعاة من وإلى المرتفعات الجبلية عبر السهول الدنيا لدورة التغير في الحياة النباتية هي الأخرى.
ولما كانت درجات الحرارة هي العنصر الحيوي في توزيع النباتات فمن الواضح أن نموها يعتمد بالدرجة الأولى على كمية الإشعاع الشمسي خلال السنة أو بمعنى آخر على عدد الأيام الدفيئة، ومن هنا فإن الأقاليم المناخية الكبرى وهي الباردة والمعتدلة والحارة ذات مغزى كبير في جغرافيا النباتات.
وتتأثر درجة الحرارة بعدة عوامل أبرزها موقع المكان بالنسبة لدوائر العرض Latitude وارتفاع المكان عن سطح البحر ثم الموقع بالنسبة للبحار والمحيطات ويعد الموقع الفلكي "بالنسبة لدوائر العرض" المؤثر في تحديد الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على سطح الأرض وكذلك في تحديد طول الليل والنهار في فصول السنة المتعاقبة فعند خط الاستواء تسقط أشعة الشمس عمودية على الأرض في معظم أيام السنة، أما بالقرب من الدوائر القطبية فإن هذه الأشعة تسقط مائلة جدا وخاصة في نصف السنة الشتوي ويترتب على ذلك أن يكون المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من الأشعة عند خط الاستواء أكبر منه في العروض الأخرى ويزداد الفرق كلما بعدنا عن خط الاستواء حتى إن نصيب البلاد الواقعة عند دائرة عرض ٤٠ درجة شمالا أو جنوبا يعادل ٣/٤ نصيب البلاد الواقعة عند خط الاستواء١.
كذلك فإنه يلاحظ أن ما تستفيده الأرض من أشعة الشمس يتوقف على طول النهار الذي يتوقف بدوره على الموقع بالنسبة لدوائر العرض، فمن الثابت أن طول النهار يزداد على حساب الليل في فصل الصيف والعكس في فصل الشتاء، وتزداد هذه الظاهرة بوضوح بالابتعاد عن خط الاستواء ولهذا فإنه على الرغم من أن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من أشعة الشمس عند القطب صغير في جملته بالنسبة للعروض الأخرى فإنه يكون في الفترة من أول
١ عبد العزيز طريح: الجغرافيا المناخية والنباتية، الجزء الأول، ١٩٦١، ص٤١.