كان انتعاش الحياة الحضرية في كثير من أجزاء أوروبا بطيئا بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية كما لاحظنا، فقد تبع انتشار المسيحية من الشرق الأوسط بين الكنيستين الغربية والشرقية تقسيم جغرافي للعالم الروماني إلى قسمين وتركز النشاط الاقتصادي والسياسي للقسم الغربي اللاتيني في مدينة روما، أما القسم الشرقي البيزنطي فقد تركز في القسطنطينية.
وقد انهارت الإمبراطورية البيزنطية عندما انتشر الإسلام وسيطر المسلمون على شرق وجنوب البحر المتوسط في القرن السابع الميلادي، وأسهم العرب بجهودهم في نشر العمران المدني في المناطق التي سيطروا عليها، وكانت أوروبا تعيش عصرا مظلما Dark Age ولم تنشط التجارة فيها إلا في القرن الحادي عشر حيث بدءوا إعادة بناء كثير من المدن الرومانية في المواضع السابقة، وأنشئت بذلك مدن حديثة، وبدأت بعض القرى الكبيرة في ممارسة بعض الوظائف الحضرية. وفي القرن الثاني عشر أنشئ المزيد من المدن في مواضع جديدة وخاصة على أيدي الألمان الذين انتشروا وسط وشرق أوروبا، وارتبطت هذه المواضع بإنشاء قلاع للسيطرة على المواقع الهامة.
وقد أنشئت مدن العصور الوسطى الأولى في نقاط يسهل الوصول إليها، وبتطور التجارة المحلية والخارجية انتشرت الحضارة في أوروبا حتى أصبحت مظهرا واضحا من مظاهر البيئة في القرن الخامس عشر في معظم غرب ووسط أوروبا، وقد كانت تمارس وظائف متشابهة أبرزها الحرف اليدوية والتجارة،