كما كانت مركزا للتجارة المحلية والدفاع، ولكن التزايد في أعداد المدن كان أبرز من التزايد في أحجامها في أوروبا العصور الوسطى وظلت هذه المدن محكومة بالمعادلة السابقة في نشأة المدن، وهي العلاقة بين السكان والموارد المحلية، ومن أمثلة ذلك نورمبرج التي قدر سكانها بحوالي ٢٠.٠٠٠ نسمة في سنة ١٤٥٠ ولندن ذات الموقع الهام على نهر التيمز والتي بلغ سكانها ٤٠.٠٠٠ نسمة سنة ١٣٥٠، وربما كان هذا هو عدد سكانها في العصر الروماني كذلك.
في بعض أقاليم أوروبا كانت الحياة الحضرية على ازدهارها السابق، فكان سكان فلورنسا في القرن الرابع عشر ٩٠.٠٠٠ نسمة والبندقية ١٩٠.٠٠٠ نسمة في سنة ١٤٢٢، ويبدو أن سكان المدن الأخرى كانوا يعدون بالمئات وليس بالآلاف، ولم تتجاوز أكبر المدن حجما ٥٠.٠٠٠ نسمة، ولكن المدن بدأت تزيد عن هذا الحجم بعد القرن السادس عشر الميلادي وارتبط ذلك بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وفي الأقاليم التي كانت التجارة نشطة بها -والنظام الإقطاعي أقل تأثيرا- فإن المدن في معابر الطرق التجارية بدأت تتوسع توسعا ملحوظا، وفي هذه المناطق بدأت المدن الكبرى في الظهور كعواصم سياسية لوحدات أكبر وما إن تحققت الوحدة القومية داخل هذا الإطار حتى تصبح العاصمة مركز جذب قوي لباقي السكان لتركز الخدمات بها مثل وجود المحاكم والمراكز الإدارية وقد شجع ذلك ظهور حرف وصناعات يدوية لإنتاج السلع الترفيهية والكمالية وساعد عليها اتصال العاصمة بأجزاء الدولة بطرق نقل مناسبة.
كذلك فقد شجع ظهور الدولة القومية على امتداد الحياة المدنية إلى أراضٍ جديدة ففي خلال القرن السادس عشر ساعد المستكشفون على توسيع نطاق العالم المعروف وبدأت بعض الدول مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإنجلترا تسيطر على مستعمرات في العالم الجديد وصدرت إليها الحضارة الأوروبية بما فيها النزعة نحو إنشاء المدن الجديدة، ولم تكن المدن الأولى في المستعمرات سوى مراكز تجميع أو قلاع لحماية المستعمرين، وقد تطورت وظائفها في القرن السابع عشر حين طور المستعمرون هذه المناطق وبدأوا في الاستيطان والاستقرار بها، وعلى سبيل المثال فإن مدينة ويليامزبرج Williamsburg في ولاية فرجينيا الأمريكية التي تشبه المدن في الريف الإنجليزي أنشئت سنة ١٦٣٣، وفي نهاية القرن السابع عشر أصبحت عاصمة مستعمرة فرجينيا الجديدة.