تتميز النباتات بخاصية أساسية وهي قدرتها على امتصاص العناصر الغذائية من الهواء والتربة وتحولها بعد ذلك إلى غذاء للإنسان، وحتى تصبح المادة غير العضوية غذاء للإنسان فلا بد أن تمر خلال النبات، ولذلك فقد كتب فيدال دي لابلاش الجغرافي الفرنسي المشهور قائلا:"إن النباتات وحدها هي القادرة على سحب العناصر الغذائية من الهواء، لذا فإنها تشبه مصنعا حيا للغذاء"١.
وتقوم المملكة النباتية بعد المملكة الحيوانية بالغذاء ولذا فإن الحياة النباتية الطبيعية في قطر ما تتناسق مع أنواع الحيوانات بها وكذلك فإن أنماط الحياة وخاصة بين المجتمعات البدائية ترتبط بكل من الحياتين النباتية والحيوانية وتتأثر بالتالي بالظروف المناخية السائدة بها. وأيضا فإن نطاقات الغطاء النباتي التي تغطي مساحة من سطح الأرض تفوق مساحة المناطق الجرداء والجليدية تتمشى مع أنماط الحياة البشرية بصفة عامة وهذه القطاعات الطبيعية الرئيسية تعد نطاقات بشرية إلى حد كبير وفي كل منها حياة الإنسان تتعرض لقوى البيئة الطبيعية المتمثلة في النظام المناخي والارتباط بين الحياتين النباتية والحيوانية ويستطيع الإنسان أن يغير في هذه العناصر الطبيعية بقدر ما أوتي من قوة ذاتية متمثلة في إمكانياته وأساليبه التي ابتكرها لهذا الغرض، وتلائم المجتمعات البشرية المختلفة ظروف حياتها مع ظروف بيئاتها ولكنها رغم ذلك لا تملك قدرة التغيير الكامل لهذه البيئة ولعل في دراسة المجتمعات البشرية في العالم الجديد قبل مجيء الأوروبيين إليه ما يؤكد التطابق بين الأقاليم الطبيعية وأنماط الحياة بين الشعوب ذات الأساليب البدائية فعلى كلا جانبي الاستواء كان هناك تماثل بل وأنماط مكررة لأشكال الحضارات الوثيقة الارتباط بالظروف المناخية ففي فيوردات بتاجونيا وكولومبيا البريطانية كانت هناك جماعات تمارس صيد الأسماك، وكذلك كانت هناك جماعات صيد الجاموس البري في البراري والغوناق "حيوان ثديي أمريكي من فصيلة الجمل" في البمبا وجماعات زراع الذرة في الأقاليم المدارية وشبه المدارية وزراع الكاسافا في الإقليم الاستوائي.
١ Perpillou, A., Human Geography, London, ١٩٧٢, P.٥