والواقع أن الدول الأوروبية لم تشهد في تاريخها معدلا للنمو السكاني كالذي تشهده حاليا كثير من الدول النامية، فقد كانت قمة الزيادة الطبيعية في إنجلترا وويلز ١٤ في الألف وإسكنديناوه ١٢ في الألف وتعد بذلك نصف معدل الزيادة الطبيعية السائد في كثير من الدول النامية في الوقت الحاضر والسبب الرئيسي كما سبق القول هو الهبوط الكبير في معدل الوفيات، ففي موريشيوس مثلا تزايد أمد الحياة من ٣٣ إلى ٥١ سنة في فترة ثمانية أعوام فقط بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي استغرقت فيه السويد ١٣٠ سنة لتحقق هذه النتيجة كذلك فإن نجاح سري لانكا "سيلان سابقا" في القضاء على الملاريا قلل من معدل الوفيات من ٢٢ إلى ١٠ في الألف فقط في الفترة من ١٩٤٥ - ١٩٥٢ فقط وربما يكون الهبوط في معدل الوفيات مؤثرا في خفض الخصوبة على المدى الطويل من خلال ارتفاع معدلات البقاء للأطفال.
ونظرا لتباين معدلات المواليد والوفيات بين مناطق العالم الجغرافية فإنها تختلف كذلك في معدلات نمو السكان بها ففي خلال الخمسينات من هذا القرن كان أقل معدل للنمو السكاني "٠.٨%" سنويا سائدا في أوربا وخاصة في شمالها وغربها وكذلك في الاتحاد السوفيتي وأمريكا الشمالية حيث بلغ معدل النمو واحدا في المائة سنويا.
ويبين الجدول رقم "٣" التباين في معدلات النمو السكاني في أقاليم العالم المختلفة، ويمكن تقسيم العالم إلى نطاقين كبيرين أحدهما يتمثل في الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية والاتحاد السوفيتي حيث ينخفض معدل النمو السكاني بها والنطاق الآخر هو القارات النامية آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتعد أمريكا اللاتينية المدارية أكثر مناطق العالم في معدل النمو السكاني وتليها أفريقيا ثم آسيا حيث زاد معدل النمو بها على ٢% سنويا وهو بذلك يبلغ ضعف مثيله في الدول المتقدمة وتعتبر الأوقيانوسية من القارات المتقدمة ولكنها ذات معدل نمو مرتفع وذلك ناتج عن الأثر القوي الذي أحدثته الهجرة التي تسهم بحوالي ٣٠% من جملة نمو السكان.