الحديدية، كذلك استخدام الكتابة بالحروف الأبجدية وتصميم السفن الشراعية بل وبدء استخدام العملات النقدية في التجارة، وكانت هذه الملامح الحضرية عناصر هامة في الانتشار الحضري. وبدا التخصص في الإنتاج سمة مميزة للمدن معتمدة على تبادل إنتاجها من الصناعات والأدوات مع المدن الأخرى بغية الحصول على الحبوب، وأبرز مثال على ذلك هو اعتماد المدن اليونانية على تجارة القمح الوارد إليها من سواحل مقدونيا والبحر الأسود.
وكان انعكاس ذلك على النمو الحضري ممثلا في تضخم المدن بالسكان، وأوضح الأمثلة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد فبالرغم من أن تقدير السكان للمدن القديمة يعد أمرا محفوفا بالصعاب إلا أن سكان أثينا قدروا برقم يتراوح بين ١٠٠.٠٠٠ إلى ١٥٠.٠٠٠ نسمة، كانت بذلك من المدن الكبرى آنذاك تتضاءل إلى جانبها كثير من المدن الأخرى صغيرة الحجم.
وقد ساعد التقدم في المواصلات والأسلحة على قيام وتوسيع الإمبراطورية الهللينية "اليونانية" والتي ساعدت بدورها على الانتشار الحضري سواء بالتزايد في أحجام المدن القائمة أو بإنشاء مدن جديدة، فحوالي سنة ٣٠٠ ق. م أنشأ الإسكندر المقدوني كثيرا من الطرق الجديدة في إمبراطوريته، ووحد العملة السائدة ونشطت التجارة نشاطا كبيرا انعكس بدوره على التطور الحضري وقد تطلبت مسئوليات الحكم والإدارة نمو مدن هامة قامت بهذا الدور مثل الإسكندرية في مصر التي تبوأت مركزا كبيرا في الفترة الإغريقية والرومانية من بعدها.
وبالرغم من تفكك الإمبراطورية الهللينية بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة ٣٢١ ق. م إلا أن الدفعة القوية للعمران الحضري أثناءها استمرت كذلك في عهد الإمبراطورية الرومانية حتى إن الإسكندرية بلغت مساحة رقعتها ٢٠٠ فدانا "٨٠٠ دونم" في سنة ١٠٠ ق. م. كذلك فقد استمر التخصص الإقليمي في الإنتاج الزراعي وأدى بدوره إلى نمو التجارة والمدن في تلك الأقاليم التي كان النقل المائي متوفرا بها، ولقد كانت كل المدن اليونانية في القرن الثالث ق. م. تستورد القمح وتصدر الزيت والنبيذ إلى أراضي ما بين النهرين وشمال سوريا وشمال البحر الأسود والدانوب الأدنى، كذلك وصل نفوذها غربا حتى قرطاجة وإيطاليا وصقلية.