والوسطى قليلة، ويمارسها عدد قليل من السكان في المنازل والحوانيت، وبعد الثورة الصناعية أصبحت الصناعة خلاقة المدن، فقد تضخم القائم منها سواء بطريق مباشر أوغير مباشر، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. ويظهر ذلك واضحا في الاتحاد السوفيتي، فقد خلقت مدن الصناعة مثل مجنيتو جورسك ونوفو سيبرسك التي بدأت بخمسة آلاف نسمة سنة ١٨٩٧ ووصل عدد سكانها إلى ٧٣١٠٠٠ نسمة سنة ١٩٥٦.
وقد تطورت الصناعة تطورا تكنولوجيا أثر بدوره على شكل المدن ووظائفها، فالمرحلة الأولى من الصناعة كانت بسيطة غير معقدة تعتمد على قوة الريح واستخدام الأخشاب في توليد الطاقة وذلك حتى القرن الثامن عشر وقبل الثورة الصناعية ولم تكن الصناعة في تلك الفترة مركزة في المدن بالضرورة بل كثيرا ما انتشرت في الريف - في الخلاء.
ثم جاءت مرحلة الفحم والحديد والتي بدأت بالثورة الصناعية وانتهت في أواخر القرن ١٩ وقد ظهرت في تلك الفترة الآلة البخارية والسكك الحديدية التي ساهمت أعظم مساهمة في تضخم المدن الصناعية وانتشارها ولو أننا نجد مناطق الصناعة تتجه نحو الريف للانتفاع برخص الأرض والأيدي العاملة.
أما التطور الأخير للصناعة فهو الذي تعيشه الآن، ونقصد به عصر الكهرباء وعصر المعادن الخفيفة كالألومنيوم وعصر آلة الاحتراق الداخلي وعلى قدر ما تركزت وتضخمت المدن الصناعية في الفترة السابقة بفضل الفحم والآلة البخارية تبعثرت في هذه الفترة الأخيرة وانتشرت في الريف بفضل الكهرباء والسيارة وعلى أية حال فليس هناك فصل واضح بين هذه المراحل ولا يعني بدء مرحلة انتهاء أخرى.
والمدينة لها صناعاتها المميزة، وغالبا ما تكون للصناعات التحويلية مدينة بالضرورة -أي تستدعي بيئة مدينة لتقوم بها- وبيئة مدينة كبيرة في العادة فكثير من الصناعات ذات الإنتاج الضخم مثل صهر المعادن لا يمكن تصور قيامها خارج المدينة نظرا لضخامة تنظيمها ومن شأنها أن تخلق مدينة جديدة.
وتختلف في ذلك عن الصناعات الاستخراجية التي تعتمد أول ما تعتمد