[* النموذج الثالث للعرض والإعراض]
اخترته من القصة القرآنية. لأن القصص القرآني له دور مشهود في التربية.
الحوار الذي دار بين إبراهيم - عليه السلام - وطاغية العراق نموذج من إعراض الأنبياء عن الجاهلين.
أو كما أسميه نموذجا "للعرض والإعراض" يأخذ صورة عملية.
فقول الطاغية {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} ومحاولة تفسير الإحياء والإمانة هذا التفسير، الذي يؤكد طفولة عقلية.
وإعراض الخليل - عليه السلام - ليس معناه تسليم الخليل لهذا التفسير الجاهل. أو انهزامه أمامه. إنما معناه إعراض الخليل عن الجاهلين، وعدم رغبته في الجدل معهم، وقد انتقل إلى حجة بهتت الطاغية.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (سورة البقرة ٢٥٨)
{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي يخلق الحياة في الجماد كما خلق النطفة الحيَّة من الغذاء الميِّت. وكما أعاد الحياة للطيور الأربعة بعد أن ذبحها إبراهيم - عليه السلام -.
والإمانة كالإحياء لا يقدر عليها إلا الله. {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} (سورة الملك ٢) بل ولا يعرف أحد سرها.
والإمانة سلب الروح، مع سلامة البنية.
والطاغية في أي عصر يملك أن يقتل، ولا يملك أن يميت.
والقرآن قد فرَّق بين الموت والقتل {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} (سورة آل عمران ١٤٤) ولعل إبراهيم - عليه السلام - قد سارع إلى البيان الثاني {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ} مخافة أن ينفذ الطاغية حماقته، ويقتل الرجل البرئ ليثبت أنه يمكنه أن يميت من يشاء، وأن يحيي من يريد.
إنَّ كلّ الدنيا - مهما تقدمت المعارف - لم تعرف سرّ الحياة.
فكيف تحي الموتى والجماد؟