مرة ثانية نلتقي مع السيد المسيح - عليه السلام - وهو يحاول هدم صرح المادّية، التي تمكنت من نفوس اليهود. ليقيم على أرضها عالم المثالية الأخلاقية. هذا العالم الذي لا يجاوز دائرة النفوس وطاقاتها.
نلتقي مع موقف المسيح من المال. ومن الأغنياء.
في إنجيل متّى إصحاح ١٩ آية ٢٣ جاء قول المسيح لتلاميذه:
" الحق أقول لكم، إنه يعصر أن يدخل غني إلى ملكوت السموات، وأقول لكم أيضاً: إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله ".
إن السيد المسيح يعالج قضية قديمة، قضية متأصلة في المجتمع اليهودي.
وهي قضية عبادة المال، وليس ملكية المال.
وقد شهد القرآن بتمكن المال من نفوس اليهود، عندما حكى قصة الملك طالوت، في سورة البقرة آية ٢٤٧ وسوف تأتي.
فقضية المال تمكنت من نفوس اليهود جعلهم يبيحون كل شيء.
بل إنهم تفاخروا بأموالهم على الله - سبحانه - {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا}(سورة آل عمران ١٨١) فهم يعبدون المال. أكثر مما يملكونه.
وعندما أرسل الله إليهم مَلكاً يقودهم للنصر، ويخلصهم من الذل، ويعيدهم إلى ديارهم وأبنائهم، اعترضوا على اختيار الله - سبحانه - بأن هذا الملك لم يؤت سعة من المال.