القصة يعرفها كل من يعرف شباب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكمته.
كان محمد - صلى الله عليه وسلم - في الخامسة والثلاثين، وأعاد العرب بناء الكعبة. ووصلوا إلى موضع الحجر، فاختلفوا. واختصموا، كل قبيلة تريد شرف وضع الحجر، حتى قال أسنهم - حفظا لهم من الحرب - اجعلوا أمره لأول من يدخل عليكم من باب المسجد.
فكان محمد - صلى الله عليه وسلم -. فهتفوا: هذا هو الأمين - صلى الله عليه وسلم - رضينا به حكما.
فلمّا رأينا الأمر قد جدّ جدّه ... ولم يبق شيء سوى سلّ المهنّد
رضينا وقلنا العدل أوَّل طال ... يجيء من البطحاء من غير موعد
ففاجأنا هذا الأمين محمد ... فقلنا رضينا بالأمين محمد
كان محمد يستطيع أن يحكم بينهم بأي حكم. ولكن عبقريته جعلته يخلع ثوبه، ويختار من كل جماعة رجلاً يشارك في حمل الثوب،
حتى إذا ما وصل الحجر مكانه، رفع محمد الحجر،
ووضعه بيده الشريفة في مكانه.
إنها خبرته الواسعة بالنفوس، وإنه قضاؤه العبقري، الذي تجلت فيه الألمعية.
يقول الدكتور / أحمد الشرباصي وهو يروي قصة الحجر بأسلوب فائق الجمال يقول: جمع المشارب المتضاربة المختلفة. واستطاع أن يحسم الموقف الحرج السريع ببراعة وألمعية، كما استطاع ألاّ يحرم فرداً من المتنازعين من الاشتراك في هذا الشرف المرموق، وأراد في الوقت نفسه أن يعطيهم رمزاً بأنّه الهادي المنتظر، وأنه المعلم الذي يتهيأ الآن بعناية ربِّه لحمل الأمانة الكبرى، والهداية العظمى، إلى سائر الناس.
أرضاهم محمد حين أفحمهم جميعاً بهذا الحل الرائع العجيب، الدال على الذكاء والعبقرية وسرعة الخاطر اللمَّاح. (يسألونك حـ ٣ صـ ٢٩٣)
ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم أن الله يعده للأمر الكبير. ولكنها دلالة الحال لا المقال.