للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (سورة الشورى ٣٠)

فأنت الجاني في الحقيقة، لأنك أنت البادئ بالمعصية.

وما وقع بك عقوبة عليها. هذا رأيهم ومعلوم من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جاء بالواقعية المثالية، ولكنه التزم مع الله بالمثالية في أكمل صورها، وإن كان لم يطلب من أمته. الالتزام بها.

وبعد:

إن الإسلام أتى من الأخلاق بما يُطاق.

فلم يطلب منك أن تدير الخدَّ الأيسر إذا ضربك رجل على الخد الأيمن، إلا إذا عرفت أن الذي أخطأ معك في حالة انفعال أفقده الصواب، وأن عفوك عنه سيصادف نفسا طيبة، تعيده إلى صوابه. {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}

(سورة فصلت ٣٤)

هذا طراز من الناس، يخطئ، ولكنه سرعان ما يعود لرشده، وتثمر فيه المروءة، فيعيش وفيًّا لمن عاقبه بالعفو عنه.

ولمثل هؤلاء شرع الله العفو عن الناس، وتولي جزاءهم.

إن مثالية السيد المسيح - عليه السلام - تصلح مع هذا الطراز من الناس. ولكن ليس كل الناس كراما. فكثير من الناس لا يُصلحهم العفو عنهم بل يعيثون في الأرض فسادا إذا لم تقلم أظفارهم، ولا أحد يحب العفو أكثر من الله، ومع ذلك نراه يعاقب، يعاقب ليعالج الجاني، أو ليعالج به الآخرين.

أو ليمسح الآلام عن مظلوم لم يتب ظالمه.

والأخلاق الإسلامية لا تطلب من المسلم أن يحب عدوه، وتكتفي منه بالعدل معه. مما جعل سجل القضاء الإسلامي حافلاً بصور من العدل، بين المسلمين وغيرهم.

<<  <   >  >>