للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظهور الحاجة إلى التعمق في الكشف عن معاني القرآن، فقال: «ثم تتابع الناس في التفسير وألفوا فيه التآليف. وكانت تآليف المتقدمين أكثرها إنما هي في شرح اللغة، ونقل سبب ونسخ وقصص، لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب وبلسان العرب، فلما فسد اللسان وكثرت العجم، ودخل في دين الإسلام أنواع الأمم المختلفو الألسنة ... احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب الله تعالى من غرائب التراكيب، وانتزاع المعاني، وإبراز النكت البيانية، حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه، ويكتسبها من لم تكن نشأته عليها ... » (١).

وتطورت الحياة العلمية في الأمة الإسلامية تطورا سريعا، وتنوعت المعارف والثقافات، وبرزت المذاهب الفقهية، والاتجاهات الفكرية، وانعكس ذلك على تفسير القرآن الكريم، فتأثرت التفاسير بثقافة المفسر وتوجهاته الفكرية، فتنوعت تبعا لذلك. وكان السيوطي، رحمه الله، قد تحدث عن هذا التطور في التأليف في علم التفسير، فقال بعد أن ذكر التفاسير الجامعة لأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم، فقال:

«ثم ألّف في التفسير خلائق! فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بترا، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل. ثم صار كل من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانّا أن له أصلا، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير، حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) [الفاتحة] نحو عشرة أقوال. وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة والتابعين وأتباعهم، حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.


(١) البحر المحيط ١/ ١٣.

<<  <   >  >>